«الكاري والسيانيد».. الوثائقي ينافس السينمائي الخيالي
يحيى وجدي
ضمن أحد تعريفات الفيلم الوثائقي أنه يتميز بالمرونة، وعلى عكس الأفلام الخيالية، لا يتبع دليلًا بصريًا ثابتًا، ورغم أنه قد يوثق حادثًا يعرفه الجميع، فإنه من الصعب التنبؤ بالطريقة التي سينتهي بها الفيلم. ينطبق هذا التعريف أكثر ما ينطبق على الفيلم الوثائقي الذي تعرضه شبكة نتفليكس حاليًا بعنوان: «الكاري والسيانيد.. قضية جولي جوزيف»، والذي يعرض قضية شهدتها مدينة كوداثابي في الهند، حيث أوقفت امرأة واتهمت بقتل ستة أشخاص، وما زالت تحاكم وشريكها حتى هذه اللحظة.
الضحايا الستة هم، على ترتيب قتلهم: حماة الجانية، وحماها، وزوجها، وخال زوجها السابق، من عائلة بوناماتام، ثم طفلة صغيرة وأمها التي كانت زوجة الزوج الحالي للقاتلة ويدعى شاجو.
يبدأ الفيلم بمشهد القبض على المتهمة من منزل العائلة «بوناماتام» التي أجهزت على أغلبية أفرادها على مدار نحو 14 عامًا، ونراها توضع في سيارة الشرطة. يبدأ الفيلم إذًا بتقرير أن هناك قاتلة نراها أمامنا الآن، ما يجذب المشاهد إلى متابعة بقية الساعتين مدة الفيلم، هو كيف أصبحت هذه المرأة التي تبدو عادية في هيئتها قاتلة، بل وتوضع في مصاف القتلة المتسلسلين حسب التعريف التقليدي لهم بأنه من ارتكب أكثر من جريمتين بنفس الطريقة.
يعتمد الفيلم المسار الدائري في حكي الأحداث، حيث يبدأ بمشهد لينتهي عنده، لكن بعد أن نتعرف جيدًا، طول مدة الفيلم، على من ظهروا في مشهد البداية دون أن يعرّفهم الفيلم، ومنهم على سبيل المثال نجل القاتلة وزوجها الحالي.
الفيلم يعرض لجريمة أو جرائم، إن شئنا الدقة مليئة بالإثارة، ربما لو قدمت في فيلم سينمائي، لما اقتنع المُشاهد بمنطقية قصته ومبرر أحداثه، ففي كل دقيقة في الفيلم هناك مفارقة جديدة وحدث مفاجئ ودراما مؤثرة.
يتناول فيلم «الكاري والسيانيد» قضية بطلتها امرأة هندية تدعى جولي جوزيف، من أسرة فقيرة تعمل بالزراعة، لكنها تتطلع إلى حياة رغدة. تتقرب من شاب ينتمي لأسرة معروفة في المدينة الجبلية، تمتلك منزلًا رائعًا. الأسرة معروفة في أوساط المجتمع المحلي وتحظى بالاحترام، حيث إن أفرادها حصلوا على تعليم جيد وشهادات جامعية، وتعمل الأم والأب كمعلمين بارزين. تتقرب جولي من الابن الأكبر للأسرة وتخبرها أنها معجبة به، وتقدم نفسها للأسرة حينما ينوي الابن الزواج بها، كونها حاصلة على شهادة البكالوريوس والماجستير. تدخل جولي المنزل الكبير مُكرمة، لكن ومنذ عام 2002 يبدأ أفراد الأسرة بالتساقط موتى، وبين كل متوفى ومتوفى في أسرة بوناماتام، فترة زمنية متباينة حسب دافع القاتلة كما نعرفه على مدار الفيلم.
الضحية الأولى كانت الحماة، حينما ألحت على جولي الزوجة الشابة وقتها الحصول على عمل بشهادتها الجامعية، تلاها بعد أربع سنوات حماها بعد عرقلة سيطرتها على المنزل، ثم زوجها عندما خنقته الديون وبات عاجزًا عن امتلاك المنزل وحده من شقيقته وشقيقه، ثم خال الزوج المتوفى حينما شكك في علاقتها بأحد الأشخاص.
تفشل جولي في الحصول بالتزوير على المنزل كتركة لها ولولديها اللذين أنجبتهما فيما كانت تقتل جدتهما وجدهما ووالدهما، وحينئذ ترنو إلى الزواج من جارها لتحظى بمن ينفق عليها، لكنه متزوج وله ابن وابنة. فجأة تموت الابنة الطفلة، وتعقبها والدتها، ومن ثم تتزوج جولي من الجار!
لم يكن وراء حماية جولي جوزيف من توجيه أي اتهام لها على مدار 14 عامًا من القتل إلا دهاؤها، ولكن أيضًا العادات والتقاليد التي تحرم تشريح الجثث، والتساهل الغريب مع حوادث الموت. الوحيد الذي شُرحت جثته زوجها، وحينما اكتشف سلاح الجريمة في جسده وهو سم السيانيد، عزته الشرطة والتحقيقات وأقوال زوجته «القاتلة» إلى إقدامه على الانتحار بسبب ديونه.
هناك العديد من المفاجآت الأخرى في الفيلم، إذ نكتشف أننا أمام امرأة مزيفة بالكامل في كل تفاصيل حياتها، كذلك تحضر الدراما قوية في رؤية الابن الأكبر لها، فهو يشير إلى أمه في الفيلم بوصف «المرأة التي تدعى جولي»، بعد أن عرف أنها قتلت أغلب أفراد عائلته، ومع ذلك لم تُحرم المتهمة من صوتها في الفيلم، ويمثله محاميها الذي يتحدى الجميع، رغم اعترافاتها للشرطة، بأنها بريئة وبأنه سيفوز بالقضايا الست.
تتألق الهند يومًا بعد يوم في صناعة الدراما، وقبلها السينما بالطبع، لكنها أيضًا في «الكاري والسيانيد» تثبت أنها مليئة بالموضوعات الحية لأفلام وثائقية قوية.. أفلام وثائقية تنافس السينما الخيالية في الإثارة والمفارقات.