السينما والأدب.. العلاقة الهشة
أمين صالح
يتفق أغلب السينمائيين على ضرورة استقلالية السينما عن الأدب، وعدم ربطهما في علاقةٍ ما؛ إذ إن لكل شكل فني لغته الخاصة، وتقنيته المميّزة، وتعبيره الاستثنائي. الأدب يحقّق اتصاله بالآخر؛ أي القارئ، بواسطة الكلمة، بينما تحقّق السينما اتصالها بالآخر؛ أي المتفرج، بواسطة الصورة والصوت.
الانتقال من مجال الكلمة «لغة تخاطب العقل» إلى مجال سمعي – بصري «لغة تخاطب الروح والمشاعر» يفرض بالضرورة إجراء تعديلات وتغييرات وتسويات عديدة، حيث إن الأفلام تصوّر حالات، توترات، انطباعات، إيقاعات أكثر مما تصوّر أفكارًا. الفيلم لغة عالمية، أما الكتاب فلغة خاصة ذات جمهور محدود.
والسينمائي عادةً يدرك متطلبات الترجمة من وسط إلى آخر. ويدرك أن الفيلم يرصد، بينما الرواية تحلّل. الفيلم يصوّر ما هو خارجي، ما هو مرئي، بينما الرواية تجسد ما يكمن في الداخل، مخترقةً أعماق الشخصيات لتعبّر عن أفكارها.
انغمار بيرغمان، مثلاً، يرفض ربط السينمابالأدب، نافيًا وجود علاقةٍ بينهما؛ نظرًا لأن «طبيعة وجوهر هذين الشكلين متعارضيْن عادةً، وهذا يتصل بالعملية الذهنية من حيث التقبّل والإدراك. الكلمة المكتوبة تُقرأ، ويتم استيعابها، عن طريق الفعل الواعي للإرادة والعقل، ثم تبدأ تدريجيًا بالتأثير على الخيال والمشاعر. أما في السينما، فتكون العملية مختلفة؛ إذ تتجه الأشياء مباشرةً إلى المشاعر. حين نشاهد فيلمًا فإننا نستسلم للوهم على نحو واعٍ، ونقوم بتنحية الإرادة والعقل جانبًا لنفسح الطريق أمام الفيلم كي يصل إلى مخيّلتنا».
المتفرج الذي يشاهد فيلمًا مأخوذًا عن رواية أو مسرحية قرأها، لا يستطيع أن يمنع نفسه من عقد مقارنات بين العمل الأدبي والفيلم، فإذا كان معجبًا جدًا بالرواية، وغير مدرك للفروقات بين الوسطين، ويتوقع أن يشاهد ترجمة بصرية للعمل الروائي، فسوف يصاب بخيبة أمل شديدة، ويعتبر التحويل أو النقل نوعًا من الخيانة، أو انتهاك عذرية. وهذه النظرة نجدها عند العديد من كتّاب الرواية أو المسرحية الذين غالبًا ما يعلنون عن احتجاجهم لما يعتبرونه تشويهًا أو تخريبًا مقصودًا لأعمالهم، دون أن يلاحظوا تمايز الوسطين واختلافهما لغويًا وتقنيًا.
من غير المنطقي، ومن الصعب جدًا، مطالبة السينمائي بأن يكون أمينًا، على نحو مطلق، للنص الأدبي. حتى لو أراد ذلك، ملتزمًا بالحبكة والحوار والشخصيات، فإنه لا يقدر أن يجسّد صفحات الكتاب كلها في مدّة زمنية محدودة لا تتجاوز الساعتين في الأغلب، بل سيجد نفسه مضطرًا إلى الحذف والاختزال والتكثيف والاعتماد على الإيحاء، وسوف يكتفي بنقل العناصر المهمة في النص بلغة سينمائية صرفة. صحيح أن جملة واحدة من الرواية يمكن أن تخلق مجموعة من الصور، لكن في المقابل يمكن للمشهد السينمائي أن يختزل صفحات عديدة من الكتاب.