“فينشر” مخرج الجريمة الأول
عبدالمحسن المطيري
مع فيلمه الحالي بنفس وروح الجريمة The Killer، والذي يعرض في السينما، يستمر ديفيد فينشر في تقديم أفلام الجريمة بأشكال متنوعة ومتعددة في إطار ممتع وغير منسوخ، وذلك بشكل مستمر ومنهجي طوال ثلاثة عقود مضت. وبلا شك يعتبر فينشر المخرج الأول في عالم الجريمة في السينما الحديثة، فمن بعد كلاسيكيات غموض هيتشكوك لم يتقدم في الوسط السينمائي مخرج متخصص في عالم الجريمة ويقترب بشدة من عقلية المجرمين سوى مارتن سكورسيزي والإخوة كوين وديفيد فينشر، وبشكل محدود غوس فانسنت، ومايكل هينيكه.
ولكن ما يميز فينشر هو قدرته على جلب الجريمة في عالم بعيد عن المافيا كما هي حالة سكورسيزي، أو بعيدًا عن الكوميديا السوداء كما هي حالة الكوين، وبشكل أو بآخر كوينتن توانتينو. فأفلام فينشر تدخل في عقل المجرم وتفكك فلسفته الخاصة في الجريمة، وتتميز الجريمة في عالم فينشر باقترابها الشديد والخطر من مبدأ الجريمة والعقاب والنظرة ربما الناعمة والمحايدة، أو على الأقل الموازية للضحية تجاه المجرمين. تعرّف الجمهور على فينشر من خلال إكمال مسيرة ريدلي سكوت في سلسلته المرعبة الشهيرة «Alien» في عام 1992.
بدأ فينشر خطه مع سينما الجريمة من خلال تحفته في حقبة التسعينيات الذهبية “se7en” التي كان نموذجًا غير عادي في نمط السينما الحكواتية المعتادة في شخصيات القاتل المتسلسل، بالإضافة إلى تقديمه مبدأ الخير والشر بشيء من خلط الأوراق الفكرية باعتماده فكرة التبرير وردة الفعل، وخلاف ذلك من الأفكار التي حسمت القول بأهمية هذا الفيلم في السينما الحديثة كواحد من أكثر أفلام الجريمة عمقًا. استمر فينشر بالاقتراب من الجريمة بشيء من التجارية والفكرة قليلة الدسم، ولكن ممتعة مع فيلمه “The Game”.
في نادي القتال “Fight Club” كان فينشر يميل أكثر لجريمة الفكرة والأفكار أكثر من الجريمة التنفيذية المباشرة التي شاهدناها في أفلام سابقة ولاحقة له، ولكن بعد هذا الفيلم بسنوات قدم فينشر رائعة المكان الواحد في فيلمه مع جودي فوستر “Panic Room” الذي كانت الجريمة حاضرة فيه بعدة أشكال من بينها السرقة ومحاولة القتل والاقتحام وغيرها من نماذج الجرائم المتعددة التي يجيدها فينشر مع صياغة فنية إبداعية محكمة في التنفيذ الفني للفيلم.
يعود فينشر في عام 2007 ويقترب من فيلمه “سفن” من خلال فيلم آخر بعنوان “Zodiac” الذي يحكي فيه أشهر جرائم القتل في تاريخ الولايات المتحدة غير المكتشفة، ثم يعود أيضًا بعد خمس سنوات ليصنع فيلمًا بثيمة الجريمة المحكمة في فيلمه “The Girl with the Dragon Tattoo” قبل أن يقدم أفضل أفلامه – في رأيي – من ناحية السيناريو والنص والشخصيات بعد فيلمه “سفن” وهو فيلم “Gone Girl” الذي قدم فيه بُعدًا سيكولوجيًا عميقًا لتعقيد مؤسسة الزواج ضمن الإطار الاجتماعي والإعلامي وتداخل القانون ومنفذيه على الخط، في واحد من أهم الأفلام التي تناولت الجريمة بتخطيط مسبق في السنوات الأخيرة.