فن

السينما السعودية: دوائر التأثر والتأثير

د. أشرف راجح

لم تخرج السينما الروائية الطويلة السعودية في البدايات عن نطاق الاتجاهات العامة للسينما الخليجية الوليدة من التأثر البادي بالمكون الثقافي الهندي الممزوج بالمؤثر المصري بطبيعة الحال، ونستطيع أن نرصد هذا في التجارب الأولى منذ فيلم “تأنيب ضمير» للمخرج سعد الفريح، وبطولة حسن دردير عام 1966، ثم «موعد مع المجهول” في عام 1981 من بطولة الفنان السعودي الكبير سعد خضر، الذي أعد القصة والسيناريو وأنتجه، وأخرجه المصري الكبير نيازي مصطفى، وهو فيلم حركة روائي طويل مدته أكثر من ساعتين ونصف استخدمت الهيلوكوبتر في تصويره، وكان طاقم التصوير من مصر بقيادة مدير التصوير عادل عبدالعظيم. ثم بعد أعوام طوال عادت التجارب الفردية تتابع كما في الفيلم الرمزي “ظلال الصمت”من إخراج المخرج الرائد عبدالله المحيسن وإنتاج عام 2006، وكذلك في الفيلم العاطفي “كيف الحال” من إنتاج عام 2006، وإخراج إيزادور مسلم بمشاركة المخرجة السعودية هيفاء المنصور، وبطولة هشام الهويش وإنتاج روتانا. ثم فيلم كوميدي هو “صباح الليل” من إنتاج عام 2008 وإخراج مأمون البني وبطولة راشد الشمراني، وفي نفس العام فيلم «مهمة وسط المدينة” من إخراج عبدالله آل عياف. ويأتي عام 2009 بكوميديا أخرى هي “مناحي” من إنتاج روتانا، وفيلمي “الشر الخفي” من إخراج محمد الحمود، و”القرية المنسية” من إخراج عبدالله أبو طالب. نقفز إلى عام 2012 حيث تطالعنا تجربة للدراما الاجتماعية الإنسانية في فيلم “وجدة” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور. ثم عودة إلى الكوميديا العاطفية في “بركة يقابل بركة” للمخرج السعودي محمود صباغ، عام 2016، وفيلم «عمرة والعرس الثاني» لنفس المخرج عام 2018.

ولكن مع التطورات الهائلة التي حدثت في المملكة وتمثلت في تأسيس البنية الضرورية لصناعة السينما الناشئة بدأنا من عام 2019 نرى نموًا عدديًا وكيفيًا، كما في دراما التشويق النفسي فيلم «المسافة صفر» للمخرج السعودي عبدالعزيز الشلاحي الذي فاز بجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان الأفلام السعودية، وأفضل إنجاز فني في مهرجان الإسكندرية السينمائي، وعرض حصريًا على شبكة نتفليكس. وشهد أيضًا نفس العام فيلم «فركش» للمنتج السعودي عبداللطيف الشامي، وفيلم «آخر زيارة» للمخرج وكاتب السيناريو السعودي عبدالمحسن الضبعان، وفيلم «المرشحة المثالية» من إخراج هيفاء المنصور، وفيلم «سيدة البحر» من إخراج وتأليف شهد أمين، الذي نال جائزة النخلة الذهبية لأفضل ممثلة وجائزة أفضل تصوير سينمائي، وفيلم «الدنيا حفلة» من كتابة وإخراج رائد السماري، الذي شارك مع كتاب آخرين في سيناريو الفيلم التاريخي «ولد ملكًا»، حيث أنتج بالاشتراك مع بريطانيا وأستراليا في العام نفسه، الذي شهد أيضًا أفلامًا مثل: فيلم «رولم» من إخراج عبدالإله القرشي، وفيلم «الذكرى المفقودة» من إخراج المهند الكدم، وفيلم «أغنية البجعة» من إخراج هناء عمير، وفيلم «الفضائي العربي» من إخراج مشعل الجاسر، وأخيرًا فيلم «أيام السيرك» من إخراج محمود الشرقاوي، ليصل عدد الأفلام المنتجة في عام 2019 إلى 12 فيلمًا روائيًا طويلًا.

ومع جائحة كورونا اللعينة تقلص المقدم في عام 2020 إلى فيلم واحد هو كوميديا “شمس المعارف” للمخرج السعودي فارس قدس، وهو الفيلم الذي باع أكثر من 100 ألف تذكرة في دور العرض السينمائية كأعلى مبيعات لفيلم سينما، كما يعتبر الفيلم السعودي الأكثر مشاهدة في منطقة الشرق الأوسط على منصة نتفليكس. ويأتي عام 2021 لنشهد عودة نسبية إلى الانتعاش مع ستة أفلام هي: «قبل أن ننسى» من إخراج نواف الجناحي، و«تمزُق» من إخراج حمزة جمجوم، و«أربعون عامًا وليلة» من إخراج محمد الهليل، و«ولد مرزق» من إخراج سيف شيخ نجيب، ثم الصراع الاجتماعي والعاطفي في فيلم «حد الطار» من إخراج عبدالعزيز الشلاحي، والتجربة النسوية المميزة في الفيلم الروائي الطويل «بلوغ» الذي يضم 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، هن: فاطمة البنوي، وهند الفهاد، وجواهر العامري، ونور الأمير، وسارة مسفر. ويتناول الفيلم موضوعات تسلط الضوء على حياة المرأة السعودية من خلال قصص خمس نساء من خلفيات مختلفة يعشن تجارب مميزة، ولكن يربطهن أمر مشترك وهو أنهن ولدن سعوديات. وعلى ذات المعدل تقريبًا يقدم الإنتاج السينمائي السعودي في 2022 عدًا من الأفلام الطويلة، مثل: فيلم «بين الرمال» للمخرج محمد العطاوي، وفيلم الحركة والتشويق «سكة طويلة» للمخرج عمر نعيم، وبطولة براء عالم وفاطمة البنوي، والذي ذكرت مجموعة MBC في حفل إطلاق الفيلم في شهر أغسطس قبل الماضي أنه أول فيلم أكشن سعودي. ويحكي الفيلم قصة ناصر ومريم اللذين يحاولان الذهاب إلى أبيهما في مدينة أبوظبي، وتصادفهما أحداث غريبة. وتبدأ القصة حين يفشل كل من مريم وناصر في الحصول على تذاكر طيران للعاصمة الإماراتية أبوظبي مما يضطر الثنائي إلى لسفر من خلال السيارة بواسطة طريق رقم 10 أطول طريق مستقيم، لكن يصدم الثنائي بأن هناك شخصًا يسير خلفهما بسيارته ويبدأ في مطاردتهما ومحاولة تحطيم السيارة التي تقلهما. وقدّم أيضًا في العام الماضي فيلم «أغنية الغراب» للمخرج محمد السلمان، الذي اختارته هيئة الأفلام السعودية لتمثيل السعودية رسميًّا في مسابقة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي، بعد ترشيح اللجنة السعودية الخاصة بالأوسكار له. ويحكي الفيلم قصة بطل يجد نفسه في مواجهة أفكار ومجموعات ثقافية متعددة، وما يحدث في العواصم الكبرى لاختلاف الشرائح السكانية وتعدد الثقافات، ثم الكوميديا الشعبية الناجحة «سطار» للمخرج عبدالله العراك، من بطولة إبراهيم الحجاج، وعبدالعزيز الشهري، وعبدالعزيز المبدل، وشهد القفاري، وإبراهيم الخير الله. وتبدأ القصة عندما يفقد «سعد” الأمل، بعد أن تركته حبيبته، لكن «علي هوجن» أشهر مدير أعمال مصارعين في المنطقة، يقرر استئناف حلم «سعد»، وتشجيعه على الدخول إلى عالم المصارعة والوصول إلى طريق المجد، حيث يلتقي مدربه الباكستاني «عبدالخالق» الذي يقوم بالتحضيرات الضرورية للمشاركة في البطولة الكبرى للمصارعة الحرة. وقد تصدر الفيلم قائمة الأفلام السعودية من حيث المبيعات في خلال أقل من أسبوعين من انطلاقة عرضه في 29 ديسمبر 2022، حيث تجاوزت مبيعات الفيلم ما يفوق 159 ألف تذكرة حتى تاريخ 8 يناير 2023.

أمَّا في العام الحالي 2023، فقد يتجاوز الإنتاج السينمائي السعودي من الأفلام الطويلة الاثني عشر فيلمًا. حيث شهدنا فيلم «المكان المهجور» للمخرجة جيجي حزيمة، وفيلم «رجل الخشب» للمخرج قتيبة الجنابي، وفيلم «آخر السعاة» للمخرج سعد الصباغ، وفيلم «عبد» للمخرج منصور أسد، وفيلم «ناقة» للمخرج مشعل الجاسر. كذلك فيلم «الخلّاط+» من إخراج المخرج فهد العماري، وهو أول فيلم كوميدي سعودي من إنتاج نتفليكس عُرض في 19 يناير 2023 على المنصة، ويقدم أربع حكايات. تستعرض هذه الحكايات الأربع مفهوم التحايل والخداع، بدايةً مع سارقي إطارات سيارات الذين يقتحمون حفل زفاف، مرورًا بقصة رجل يحاول جاهدًا أن يدفن سرّ صديق فارق الحياة، وموظفة في أحد المطاعم الفاخرة تحاول إنقاذ زواج والديها، ورجل يكتشف وجود ابنه المراهق في نادٍ ليلي. والفيلم مستوحى من سلسلة «خلاط» التي أنتجتها شركة «تلفاز 11» على اليوتيوب، وحققت مشاهدات كبيرة، حيث تجاوزت 1.5 مليار مشاهدة. وأيضًا فيلم التشويق الإنساني «طريق الوادي» للمخرج خالد فهد، وتتحرك أحداثه حين يقرر والد علي اصطحابه في رحلة إلى الوادي صوب معالجٍ شعبي، ليخلّصه من إعاقته. ولكن حين يتوه علي في الرحلة عن والده، يكتشف مستعينًا بالجلد والمثابرة أن هذه الرحلة تحمل له الكثير من التحدّيات التي تمكنه من تجاوز تلك الإعاقة. أمَّا في مجال الكوميديا، فقد شهدنا فيلم «راس براس» للمخرج مالك نجر، الذي بدأ عرضه على منصة نتفليكس في 3 أغسطس، وهو من تأليف عبدالعزيز المزيني، وبطولة عبدالعزيز الشهري. وتدور أحداث الفيلم حول شخصية السائق «درويش» «عادل رضوان» الذي ينقل أكبر مجرم متقاعد من المطار، لتطارده بعد ذلك عصابة المجرم بهدف استعادته بسلامة، ثم ينشغل كل من درويش وأبي غدرة «زياد العمري»، والرئيس التنفيذي الجديد لشركة التاكسي «فياض» «عبدالعزيز الشهري» بمهمة تضليل العصابة، في سلسلة من الأحداث والمغامرات الكوميدية. وكذلك فيلم «الهامور ح.ع» للمخرج عبدالإله القرشي، وهو أول فيلم سعودي يعرض تجاريًا في دور العرض المصرية، ويروي قصة حارس أمن يحلم بالثراء واضعًا نصب عينيه هدف جمع المال بشكل سريع، ليتمكن حارس الأمن هذا من جمع ثروة ضخمة عن طريق النصب واإتباع أساليب ملتوية، ويبدأ بعدها في إقناع البعض باستثمار أموالهم لديه ضمن وعود كاذبة بالحصول على أرباح كبيرة، لتندفع بعدها الأحداث في قالب الكوميديا السوداء. ثم الدراما النفسية «مندوب الليل» للمخرج على الكلثمي، والتي تدور حول المعاناة الوجودية لشاب ثلاثيني مُضطرب، يعاني فقدان العاطفة وضياع الوظيفة، يعمل في توصيل الطلبات ويتوه وحيدًا مهمومًا كل ليلة في زحام العاصمة التي تدفعه للتخلّي عن مبادئه في عالم لا يحس به. وكان العرض العالمي الأول للفيلم في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي هذا العام، مع فيلم سعودي آخر هو «هجان” من إخراج أبو بكر شوقي، وتدور أحداثه حول الصبي «مطر» الذي يعيش رحلة استكشاف من منطلق شغفه بالإبل، وعندما يجد نفسه في قلب عالم سباقات الهجن، يجد أن عليه أن يبذل كل ما في وسعه من أجل البقاء. وأخيرًا، فيلم الرعب التشويقي الكبير «تشيللو” «بالإنجليزية: The Cello» ‏ والعمل من بطولة الممثل المعروف «جيريمي آيرونز» الحائز على جائزة أوسكار، وبطل سلسلة أفلام Saw الشهيرة «توبين بل»، وكلوي هنري، بالإضافة إلى نجوم من سوريا والخليج، أبرزهم: ميلا الزهراني وسامر إسماعيل وإلهام علي ومهند الحمدي والممثل القدير غسان مسعود، وضيفة الشرف سعاد العبدالله؛ وهو من تأليف معالي المستشار تركي آل الشيخ، وإخراج المخرج الأميركي دارن لين بوسمان. وتدور الأحداث في إطار من الغموض والرعب، حيث يقوم عازف «تشيللو» بعزف مقطوعة موسيقية ملعونة تقلب مسار حياته الهادئ رأسًا على عقب، وتهدد حياته وحياة أسرته. ويعتبر هذا الفيلم من أوائل أفلام الرعب في السعودية بمعايير عالمية. وكان قد لفت معالي المستشار تركي آل الشيخ في وقت سابق أن روايته الخاصة «تشيللو» التي صدرت عام 2021 قد تحولت إلى فيلم رعب بعنوان: The Cello، لعب بطولته جيريمي آيرونز برفقة بطل أفلام Saw توبين بل. وجرى تصوير الفيلم في مواقع عدة بالمملكة العربية السعودية وفي مدينة براغ عاصمة جمهورية التشيك. ومن المفترض أن يُعرض الفيلم باللغتين الإنجليزية والعربية. وكان المستشار تركي آل الشيخ قد طرح روايته «تشيللو» في معرض الرياض الدولي للكتاب ليعلن بعدها تحويلها إلى فيلم سينمائي جرى الإعداد له لمدة عامين في سرية كبيرة. ويُذكر أن تصوير فيلم «تشيللو» قد انتهى منذ فترة، وشارك وقتها معالي المستشار تركي آل الشيخ تغريدة قال فيها: «في أجواء سرية وعلى مدى سنتين من الكتابة والاتصالات والغوص في عالم السينما من مخرجين ومنتجين وشركات، انتهيت أمس من تصوير آخر مشهد من فيلمي الأول «تشيللو» الذي استغرق الإعداد له شهورًا، وتم تصويره في 8 أسابيع، 70% من الفيلم تم تصويره في المملكة بين الرياض وضرما والعلا».

يطرح باري كيث جرانت Barry Keith Grant، ناقد الأنواع الفيلمية البارز في مقدمته للكتاب العمدة «قارئ النوع الفيلمي»، فكرة ما حول «هوليوود» تبدو حقيقية إلى حد بعيد، وخاصة حين تطبق على السينمات القومية الكبرى العريقة، كالسينما الهندية «بوليوود»، والسينما المصرية «هوليوود الشرق»، والسينما المكسيكية «ميهيكووود»، والسينما النيجيرية «نوليوود»، وكذلك السينما الإيرانية نسبيًا في المرحلة الممتدة منذ نشأتها حتى سقوط النظام الإمبراطوري وقيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. تلك السينمات التي حظيت بشعبية كبيرة إقليميا، أو قاريًا، أو عالميًا، مثل النموذج الأعظم لها وهو السينما الأميركية. يشخص غرانت ذلك الأمر، وهو يتحدث عن «هوليوود» تحديدًا فيقول: «شكلت أفلام النوع الكتلة الأعظم من الممارسات العملية السينمائية، إنها جبل الجليد الذي يقبع تحت الماء، بينما قمة الجبل الظاهرة فوق الماء فقط هي التي كان يُنظر لها سابقًا على أنها الفن السينمائي»، وهو يشير هنا إلى الأعمال ذات الصبغة الأسلوبية المميزة، واضعًا في اعتباره ما تحمله كلمة genre من معانٍ تصنيفية، مثل: «الجنس» أو «النوع» أو «الفئة»، تلك المعاني التي قد تبدو سلبية، وأن دراسة الفيلم «كجنس» فقط قد تعني معاملته لا على أنه كيان فريد، بل بصفته عضوًا في فئة عامة، أو في أسرة معينة من الأفلام، وهو تحذير نراه جديرًا بكثير من الاهتمام في هذا المجال. لقد قدمت السينما السعودية نفسها خلال الأعوام القليلة الماضية بشخصية تبدو مختلفة من خلال عدد من التجارب التي تبنت فيها روح الحداثة الممزوجة بتطلعات الإتقان الحرفي والتماس مع بعض النوعيات الفيلمية Genres الرائجة في السينما الأميركية مثل أفلام الحركة والتشويق، وكذلك الرعب الممزوج أحيانًا بأساس من التراث المحلي، أو الخيال العلمي. والسينما السعودية، وهي تقوم باستشراف آفاق المستقبل، فهي من المؤكد تطمح في أن تلعب دورها الأمثل وظيفيًا بين الترفيه الراقي وخدمة المجتمع، بحيث تنثر القيم الجمالية والإنسانية المتناسبة مع ما تمثله تلك التجربة السينمائية السعودية الجديدة كأرض خصبة واعدة بتحقيق الكثير مستقبلًا، خاصة في ظل الرعاية السامية، والاهتمام الملحوظ من قبل كل القطاعات المعنية بهذا الشأن. وهو ما يدعونا جميعًا إلى أن نرنو إلى تلك الأرض البكر بالكثير من الاهتمام والسعادة بما تحقق عليها، آملين فيما هو قادم من أن تستطيع أن تراكم التراث الفني الذي يتجسد في الإنجازات والممارسات العملية Praxis التي ستخلفها الأجيال المتعاقبة من الفنانين والمبدعين.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى