آراء

مؤتمر الرياض.. الي ما يشتري تفرَّج!

عبدالله الزيد

أكتب لكم وأنا في طريقي عائدًا من مؤتمر الرياض الدولي للنقد السينمائي، الذي انعقد تحت شعار “ما وراء الإطار”.. وأنا أتأمل كل ما حصل، طرأ في بالي ذلك الفيلسوف اليوناني – المتهكم – الذي لم يكتب أبدًا في حياته “سقراط”، الذي كان دائمًا ما يتجول في “الأغورا” سوق دولة المدنية في أثينا؛ ليناقش الناس ويُخرج أفضل ما في جعبتهم من تأملات تحتاج إلى الجدل لتنتج أفكارًا حول “الحق والخير والجمال”.. ذلك لأن سقراط مقتنع بأن داخل كل ابن أنثى منا فيلسوفًا. وما عليه فقط إلا أن يفكر ويتأمل لتخرج تلك الأفكار البديعة دون عناء!

ولكن ما علاقة سقراط بمؤتمر الرياض للنقد السينمائي؟

لم يكن الفن بحاجة يومًا للنقد ليظهر ويستمر، مثلما أن حياتنا اليومية هي الأخرى ليست بحاجة للعجوز المتنمر “سقراط” كي تدور عجلتها. نعم، نحن لسنا بحاجة لعبارة “اعرف أنفسنا” كي نختار مقاس “الكامبو بيرجر” أو “النزوع للتكاثر وحفظ النوع البشري”، فغريزة البقاء الحيوانية في حياتنا أبسط مما نتخيل! مثلما أن السينما وجدت ولن تنتهي فقط لأن ناقدًا يرتدي نظارة مقعرة قرر أن يتوقف عن إصدار صوت “الطنين” قريبًا من آذان مخرج أو كاتب أو ممثل! إذًا: ما أهمية النقد؟! وما وجه الشبه بينه وبين سقراط؟!

في كتابه “ما هي السينما؟” يرى أندريه بازان الفيلم بمثابة تلك الوقفة التأملية الرفيعة التي تمنحنا الفرصة لنرى الواقع بطريقة مختلفة. ومع ذلك، فإن هذه الرؤية الواقعية في السينما قد لا تتجاوز – بالنسبة إلى البعض – التفاصيل البسيطة والعابرة التي تشبه مناقشة كاشير المطعم في نوع الصلصة المفضلة، أو شكل البطاطس المقلي المرغوب! وقد تكون أيضًا بالعمق الذي وظف فيه “بول أندرسون” لوحة العشاء الأخير في “inherent Vice”. وهذا بالضبط دور الناقد حتى لو كان بلا نظارة مقعرة، ودون شعر منكوش، وبلا لباس بوهيمي! القصة ليست بالشكل والسطح.. الحكاية تغوص في العمق وبما «وراء الإطار» الذي يبدو لنا ظاهرًا وبسيطًا.

وبهذا الوعد انعقد «مؤتمر الرياض الدولي للنقد» ليعيد توجيه أنظارنا المبهورة بأضواء الصناعة السينمائية ويحرفها قليلاً نحو هذه المهمة الثانوية والرائعة بقدر هامشيتها في المشهد السينمائي العالمي. إذ ليس من مهمة النقد تقييم الأفلام، أو إعطاء النصائح التجارية، أو سرد سيرة النجوم وتفاصيل الخلافات الفنية! بل النقد هو تلك الحالة «السقراطية» من معرفة الذات وتوليد الجمال الذي في داخلنا، والانشغال في هذا النقاش البصري فيما يدور في هذه الشاشة الساحرة! النقد هو تلك النظارة المقعرة التي يعيرها الناقد للمتفرج البسيط حتى يساعده على ولادة الجمال في ذاته ولذاته. فليس مطلوبًا من الناقد أن يصنع قوالب للجمال، بل أن يساعد المتفرج على تكوين خط لإنتاج الجمال بنفسه.

في مؤتمر الرياض الدولي للنقد كانت ساحة «الكندي» في قصر الثقافة بمثابة الـ«أغورا» السينمائية. ومن لم يشترِ من بضاعة النقد، فقد وجد فرصة في أن يملأ جعبته من الفرجة والنقاش والوعي الجمالي، فيما كان ضيوف مؤتمر النقد الدولي «سقراطيي» هذا العصر الذي أصبحت فيه الرياض محور ارتكاز الحركة الثقافية.

قال لي أحد الضيوف مبتهجًا: «في الرياض فقط يمكن للناقد أن يكون النجم، وأن يسير على السجاد الأحمر، وأن يعود إلى المتن صاعدًا من الهامش».. قلت له مفتخرًا: هذه بلادي المملكة العربية السعودية، وهذا جهد هيئة الأفلام وشركائها… اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال.. أمين.

المصدر: سوليوود 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى