بطولة الابن الصالح في “حياة امرأة”
غفران قسَّام
“يُمه إنتِ مين ما يعرفك!
إنت قصة في التاريخ لم تُكتب بعد!
اسمعي ايش يقول عنك
أحنُ إلى خبز أمي
وقهوة أُمي
ولمسة أُمي..”
تنضج خيوط الحبكة في أحداث فيلم “حياة امرأة” للمُخرج سمير عارف “2022م”، بعد أن يُنشد البطل صالح لأمه مريم أبيات الشعر الحر للمناضل الفلسطيني المعروف محمود درويش عن هُويته الأصيلة التي تنتمي لأمه القروية، وارتباطه بنكهة خُبزها المُحب، ودفء قهوتها العذبة، وطراوة لمستها الحانية تمامًا كما ظهرت في أحداث البطل صالح الذي يعاني من الشلل النصفي وعدم مقدرته على المشي والحركة. إذ أدت الأم دورًا مركزيًا في حياته، وصنعت عاطفته بإيجابية رغم غياب الأب.
فلم يكن حضور المرأة في الفيلم استثنائيًا إلا مع حضور سياقات اجتماعية متعددة، صنع السيناريو خلالها تحديات شخصية المرأة القروية في السعودية وتصوير آلامها وأفراحها اليومية في المدينة سينمائيًا. كما قدم المُخرج الحوارات بلهجة أهل الرياض المحلية التي أصبحت ظاهرة بارزة في التجارب السينمائية في سوليوود، بل قدمت للعالم خصوصية القِصص والحكايات التي تحكيها السينما في السعودية بأصالة تامة وهوية مؤثرة كما في فيلم “عياض في الرياض” وفيلم “حد الطار”. ومما يشيد رحلة فيلم “حياة امرأة” في عالم السينما، أنه نال استحسان النقاد وأشاد به الحضور الكبير من النجوم وصناع السينما. كما حقق مشاهد مرتفعة في المنصات الإلكترونية. وعُرض في عدة مهرجانات سينمائية، كمهرجان العين السينمائي، ومهرجان أفلام السعودية، ومهرجان الإسكندرية السينمائي.
سيناريو الدراما الاجتماعية
تنقسم مشاهد فيلم “حياة امرأة” مرحليًا إلى ثلاثة أقسام في حياة البطلة مريم. إذ اعتنى السيناريو أن يقدم حبكتها عبر ثلاث مراحل سينمائيًا:
1- “قبل 18 عامًا” مرحلة اختيار البطلة صوت القلب وزواجها من عوض رغم عدم كفاءته العلمية والمهنية، إضافة إلى سلوكه المُتعاطي. ويظهر الخط الدرامي لهذا الاختيار وتأثيره في الأحداث بعدم ثبات حضور الأب وغيابه في الحياة العائلية. كما يظهر في خلق ذلك الصراع بين البطلة، وأبيها وابن عمها الذي بسببهما تنتقل من القرية للعاصمة.
2- “بعد 8 سنوات” مرحلة مشاهد مع الابنة سارة. وهو القسم الداخلي في الفيلم. يظهر مع حضور عاطفة الأب، وعلاقته بابنته التي كان يُؤثرها على ولده صالح. مع جدلية تعاطيه التي أثرت على مسؤولياته الأسرية، إلى حدوث فاجعة موت ابنته وغيابه عن أسرته؛ لصدمته النفسية في فقدها. حتى كاد المشاهد يصدق فكرة موته التي سار عليها الفيلم مدة ساعة تقريبًا.
3- مرحلة مشاهد الابن صالح. ينطلق مع مطلع الفيلم، ثم الجزء الرئيس في الفيلم. ظهر بعد مرحلة وفاة أخته سارة وغياب الأب تمامًا ليسرد السيناريو مقابلها حضور المرأة التي تربي ولدها على مكارم الأخلاق، إلى مواجهة محنته بالفشل الكلوي وحضور عطائها في تبرعها بكليةٍ له، ثم إصابته بالشلل النصفي الذي أعاق نشاطه الحركي لكنه لم يؤثر في أداءاته الحركية الإرادية الأخرى، كالأكل والقراءة وغيرها.
وتعكس المرحلة الرئيسة في السيناريو مشاهد الابن الصالح وفق مبدأين مؤثرين: السببية بترابط الحبكة فيها، وعدم التناقض في صناعة الشخصية دون منطقية في تصويرها. إذ عكس الفيلم خلالهما ثقافة الشاب المواطن – من أصحاب الهمم – عبر رقي تعامله مع والدته ومع المرأة شريكة حياته حنان. كما عرضت المشاهد إمكانية دمج تلك الفئة المميزة اجتماعيًا فظهرت شخصية صالح قارئة للكتب ومتابعة للصحف المحلية، وتحتسي قهوتها في المقهى مع صديقها المفضل، وتناقش القضايا الاجتماعية بوعي، مع طموحها الجامعي والتزامها بطلب العلم. ويبني السيناريو حبكته في الشخصية مقابل صبر صالح تجاه محنه الصحية غير السهلة: الفشل الكلوي أولاً، ثم الشلل النصفي. لكن هل يتوقف الفيلم هنا؟ لا! فالسيناريو يتابع صعود الذروة مع حلول الأربع عشرة دقيقة الأخيرة، فلم تنتهِ الأحداث النهاية المتوقعة! بغياب الأب الدائم، وشفاء البطل! بل تصاعدت الأحداث أكثر بعد:
تصادم صالح مع أبي حنان الذي رغبَ في تغيير مكان ابنته الاختصاصية بعيدًا عن صالح. إلا أن حوار صالح معه في عزة أظهرت كرامته، واعترافه بفضل أمه طوال السنوات التي تعبت في تنشئته والتضحية لأجل صحته وعافيته.
طلب أم صالح من أبي حنان تلبية رغبة ولدها في الزواج من ابنته التي يحبها، وعدم أخذه بجريرة أبيه.
أثناء أجواء الفرح، يكتشف أبو حنان حضور أبي صالح بشخصية القهوجي، فهو لم يمت!
نهاية تنكشف عقدة البطل صالح في تجاوز إعاقته الحركية مع حضور أبيه الذي يلتقي به أول مرة، ويسير إليه بصعوبة بقدميه؛ كي يقبل رأسه احترامًا له في مشهد سينمائي مؤثر يؤطر حكاية السبب النفسي لشلل روح البطل طوال الفيلم!
باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما