“الجَمَل”.. تجاهلته السينما فأنصفته الأفلام السعودية
إيمان الخطاف
اعتزاز البدوي بإبله لا يشابهه شيء. هي علاقة لا يستطيع فهمها بعض الحمقى ممن يسخرون من الإبل وكل ما له ارتباط بثقافة الصحراء، وفي الوقت نفسه يحاولون الوصول إلى العالمية عبر أفلام تنسلخ عن ثقافتهم المحلية، يرتدي الممثلون فيها بدلة التوكسيدو، ويستخدمون الكلمات الهجينة، ويتباهون بالعيون الزرقاء والأعراق الدخيلة، وغير ذلك مما دُرج على تسميته “عقدة الخواجة”.
ولم تسلم سينما هوليوود من هذا التشويش، إذ أنتجت عدة أفلام تنظر بفوقية وتعالٍ للإبل وكل ما يمت للصحراء العربية بصلة، خاصة في الثمانينيات من القرن الماضي. لكن – نحن السعوديين – نعتز بهذا الكائن الذي اعتبره النص القرآني دلالة على عظمة ودقة الخلق، ولا يتعارض اعتزازنا هذا مع ما يعيشه مجتمعنا من تطور وحداثة، وأبلغ ما يجسد ذلك هو وصول الجمل إلى عقر دار الفن السابع، بمشاركة فيلمين سعوديين يتناولان سفينة الصحراء في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي 2023، الذي ينطلق نهاية هذا الأسبوع، هما «هجان» و«ناقة»، إضافة إلى فيلم «مندوب الليل». لكني هنا بصدد تناول الجَمَل باعتباره «الثيمة» الأساس في فيلمين سعوديين.
فيلم «هجان» الذي أنتجه مركز «إثراء» يتناول العلاقة الحميمة التي تربط بين صبي وجمله في صحراء السعودية الفسيحة، إذ يبدو الجمل في الفيلم خير رفيق لصاحبه. يستوقفني هنا توصيف رئيس الفنون الأدائية والسينما في «إثراء» ماجد زهير سمان عن «هجان» بأنه «ردُّ اعتبار عالمي للإبل»، مضيفًا في تصريح إعلامي «أردنا سرد قصة مؤثرة عن الارتباط الوجداني ما بين الصبي والجمل، إذ إنه غالبًا ما يُساء فهم الإبل، رغم مكانتها الخاصة في ثقافتنا العربية».
أمَّا “ناقة” للمخرج مشعل الجاسر، فيكفيه اسمه للدلالة على البطولة السينمائية لأنثى الجمل، رغم تكتم فريق عمل الفيلم عن أية تفاصيل حوله، إلا أن الأعمال السابقة للجاسر تمنحنا جرعة تفاؤل بما سيقدمه في ناقته. ولا أتحدث هنا عن الإبل باعتبارها أمرًا مستحدثًا في الأفلام السعودية، فهي عنصر أصيل ضمن مكونات سينما الصحراء، لكن الجديد هنا هو نقلها للعالمية من أوسع الأبواب.
أن يكون الجَمل بمثابة الوجه السينمائي، فإنه إنصاف لسفينة الصحراء، فلطالما فتحت السينما ذراعيها للحيوانات، إلا أن هوليوود اعتادت التركيز على الكلاب والقطط، ولعل أشهر حيوان هو الكلب الألماني «رين تن تن» الذي شارك في 27 فيلمًا، صدر أربعة منها عام 1929م. ومن الكلاب والقطط إلى الخيول والطيور والفئران وكل صنف من عالم الحيوان، لكن ظل الجمل منسيًا ومهمشًا، لأنه لا يشكل شيئًا في الثقافة الغربية.
في حين أن أفلامنا السعودية تُنصف هذا الحيوان الأصيل الذي لطالما تجرَّع مشقة الجوع والعطش ووقف دائمًا لجانب صاحبه، لم يخذله في أصعب الأوقات. وكما أن سينما هوليوود برمجت العقول على أن الكلب هو حيوان وفي ومخلص، يأتي دورنا اليوم بأن نؤكد وفاء وأصالة رفيقنا على هذه الأرض، الذي شاركنا شظف العيش ورخاء الواقع، لم نتنكر له، بل ظل اعتزازنا به باقيًا لأزمنة مديدة.
نحن نذهب إلى العالم كما نحن، نحمل ثقافتنا وإرثنا معنا، ولا نتماهى، أو نحاول الذوبان بثقافة غيرنا. ولعل جدلية ظهور الممثل محمد الشهري قبل أيام على السجادة الحمراء في مهرجان البندقية السينمائي وهو يرتدي الثوب والشماغ والجبَّة الجنوبية، هي دليل آخر على ذلك. فالقوة تكمن بأن تذهب إلى الآخر بحقيقتك واعتزازك بذاتك وثقافتك وفنون لباسك.
وما زالت هناك العديد من القصص التي لم تروَ عن التحديات التي عاشها الأجداد في الصحراء برفقة إبلهم وخيامهم، وما زال لدى الأفلام السعودية الكثير لتقدمه إلى العالم من عناصر ثقافية وتاريخية تستحق أن تكون حاضرة في المحافل السينمائية العالمية، تلهم المشاهدين وتدهش النُقاد وتفرض على الجميع احترام ثقافتنا العربية الأصيلة.
المصدر: سوليوود