جرعة دراما زائدة
محمد عبدالله الأنصاري
بعد سنوات وأجيال من إنتاجات الدراما المحلية، لم يحصل أن أُنتج عمل يوازي قوة أعمال الدراما التي نشاهدها من العالم الغربي الآن “Better Call Saul، House of the Dragon”، مع الأخذ في الاعتبار القفزة الإنتاجية في السوق المحلي الآن.. ومن أواخر هذه المحاولات الإنتاجية والبصرية المحلية مسلسل “رشاش” الذي أعاد تجسيد أحداث من الماضي السعودي بقصة شهيرة على مستوى الخليج والعالم، بأسلوب سينمائي مختلف عن السائد، وخلق سردًا قصصيًا جديدًا وممتعًا لمشاهد الدراما السعودية على مستوى العالم.
ولكن لم يكن مسلسل “رشاش” بشعبية “شباب اليوم”.. مع الأخذ في الاعتبار الإنتاج الهزيل للمسلسل، إلا أن المشاهدات في يوتيوب تتجاوز الملايين لكل حلقة، وهذه الأرقام ساعدت المسلسل رغم المحتوى السيئ على الوصول للموسم العاشر الآن! قد تبدو المقارنة ليست عادلة، ولكننا كمشاهدين للدراما المحلية فلقد حقنا أنفسنا بجرعات درامية من أيام “دمعة عمر” إلى “العاصوف”، وغيرها من الإنتاجات التي لا تطرق الأبواب إلا في شهر رمضان.
ومن الجوانب السلبية لحبنا وتعلقنا بالدراما حينها، أصبحت الإنتاجات الموجهة لسوق المحلي في ذلك الوقت، هي فقط إنتاجات ذات طابع درامي، «مع القليل من مسلسلات هوليوود لمن كان يستطيع مشاهدتها». منذ نهاية التسعينيات كان الطابع الدرامي هو عنوان المرحلة بمسلسل مثل “سنوات الضياع” الذي “خطف قلوب الكثير”، وعدد من المسلسلات التركية والمكسيكية. هذه الجرعات الدرامية التي تحقن بشكل يومي للمشاهد المحلي، قد قولبت الذائقة الفنية بشكل عام؛ لعدم تقبل شيء إلا الدراما ذات الطابع الواقعي بغير واقعية.
هذا التحيز نحو الأعمال الدرامية حجب عنا التنوع في مجال المسلسلات التلفزيونية، وجعل من إنتاج أعمال تلفزيونية سعودية مثل إنتاجات «أو أس إن، أمازون برايم»، تتسم بالأصالة والخيال والأسلوب القصصي في مسلسلاتها، وأن وصولنا لهذه الإنتاجات ليس بالقريب؛ لأن الجمهور لا يريد مشاهدة عمل محلي إلا إذا كان دراميًا.. وهذا التصور هو من قيَّد الدراما المحلية حول منطقة واحدة في المجال التليفزيوني «TV Show»، وسلَّط ضوء شركات الإنتاج مثل «نيتفليكس» و«شاهد» وغيرها على هذه المنطقة.
وبطبيعة الحال، تم إنتاج أعمال درامية «بالجملة» مطابقة لمسلسل «دمعة عمر» مع اختلاف جودة الصورة لا المحتوى. هذا التصور أيضًا خلق منطقة راحة للمستثمرين واستديوهات الإنتاج، وعدم الاستثمار، ووضع التحديات لإنتاج مسلسلات «TV Show» فنية تظهر المجتمع بصورة واقعية، ولكن في سرد قصصي بعيد عن الدراما المعتادة، وقصص الزواجات المتفككة، والمشاكل العائلية التي نراها وبشكل ممل.
مسلسل «محافظة مسامير» كمقياس لعمل شعبوي حديث قريب من قصص المجتمع، تكمن قوته – في رأيي – بغض النظر عن الجزء الكوميدي في العمل، في سرد المسلسل للواقع بأسلوب بسيط، ولكن بقيمة فنية ساهمت في انتشار العمل على مستوى العالم من خلال عرضه على منصة «نيتفليكس». هذا النموذج لا يلغي التحديات التي واجهت «مسامير» في فترة نزوله على منصة يوتيوب، من مدمني جرعات الدراما الذين لا يتقبلون الأعمال الدرامية المحلية بشكل جديد، ولكن يشاهدون جميع الإنتاجات العالمية بشتى أنواعها ولغاتها بدون أن ينتقدوا السرد القصصي والبصري المختلف لها؛ وذلك ما يجعل الدراما المحلية موضع شك وعدم ثقة بإنتاج أعمال درامية واقعية مثل «Succession»، وأعمال خيالية تاريخية مثل «Game of Thrones»، وذلك بسبب فكرة أن المشاهد المحلي متربع داخل فقاعة الدراما للأعمال المحلية، ويريد كل الإنتاجات أن تكون داخل هذه الفقاعة.
المصدر: سوليوود