التحلية.. بيت خبرة عالمية
عبدالرحمن العباد
تتدفق المياه في منازلنا على مدار الساعة في مختلف مناطق وقرى المملكة، من بحرها إلى خليجها، مرورًا برياضها وصحاريها، وتدور عجلة الحياة دون أن نشعر لوهلة بنقص لافت أو انقطاعات متكررة.
صحيح أن هناك حالات يحدث فيها أمر طارئ، أو أن بعض المواقع تشكو أحيانًا، إلا أنها في إطار ضيق وتتعامل معها الدولة بحلول عاجلة تتمثل بتحمل تكاليف توصيل المياه بكل الطرق المتاحة.
أغلب هذه المياه تأتي إلينا من تحلية مياه البحر، وجزء آخر من آبار ارتوازية حفرتها الدولة، وتقوم بتشغيلها عن طريق متعهدين. أي أن كل قطرة نشربها أو نستخدمها أو نستحم بها، أو نغسل بها منازلنا هي مدفوعة التكاليف. ولم تأتي لنا من أنهار متدفقة، ولا من ذوبان جبال الجليد.
أقول ذلك، وأنا أطلع على منجزات المؤسسة العامة لتحلية المياه المستمرة، التي تقيم هذه الأيام مؤتمرًا ضخمًا عن مستقبل صناعة التحلية، والبحث عن الحلول لكل العالم وليس للسعودية فحسب.
تضع هذه المؤسسة الفتية الريادة والتميز عالميًا في صناعة تحلية المياه، رؤية لها، وتلبية احتياجات عملائنا من المياه المحلاة بكفاءة وموثوقية وبأقل تكلفة ممكنة وأعلى مردود اقتصادي، والاستثمار الفعال في الموارد البشرية وتحفيزها، وتطوير صناعة التحلية، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والالتزام بمعايير السلامة والبيئة؛ رسالة تعمل بها هذه المنظومة العملاقة.
وقد أعجبني طموح مؤسسة التحلية وقيادتها وهم يضعون محاور هذا المؤتمر الذي يستشرف المستقبل، ويناقشون استراتيجية المملكة العالمية في هذا المجال، خاصة أنها تتبوأ الصدارة باعتبارها أكبر منتج لمياه التحلية في العالم، وكيفية الاستفادة من “رؤية المملكة 2030” في تحويل هذه المنظومة إلى منجز عالمي لمصلحة البشرية.
المملكة كما أنها مصدر الطاقة الأول للعالم لعقود، ها هي اليوم بيت خبرة لقطاع التحلية بالعالم من خلال الخبرات والنجاحات التي تراكمت لديها، وسجلها الحافل والمميز بالجوائز والأرقام العالمية، والتي ترافقت مع استراتيجية واضحة في المحافظة على البيئة، وتبني خيار الاستدامة، والعمل المستمر على تعزيز السلامة في المرافق والمنشآت، وأهم من ذلك الاهتمام بكوادرها البشرية.
أعود للبداية وأقول إن قطرات المياه التي تتدفق إلينا على مدار الساعة تبعث لنا برسالة مفادها أن الوصول للهدف ليس غاية، بل وسيلة إلى تخطيه إلى أهداف أخرى أبعد وأصعب لا يحدها مكان ولا زمان. وأستميحكم العذر لشرب كوب من المياه المحلاة من صنبور منزلي.