هيئة الطرق تُدخل السعودية عصر “الاختبار الزمني السريع”
جهاز فائق التقنية يحاكي 20 عامًا من الضغط المروري خلال ساعات
الترند العربي – متابعات
في خطوة نوعية تعكس التحول الجذري في إدارة البنية التحتية، دشّنت الهيئة العامة للطرق في المملكة العربية السعودية جهازًا فائق التقنية يُعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط، قادرًا على محاكاة الأحمال المرورية الثقيلة على الطرق خلال فترة زمنية قصيرة، بما يعادل مرور المركبات على الطريق لمدة تصل إلى عشرين عامًا، وذلك في غضون ساعات أو أيام معدودة.
هذا التطور لا يمثل مجرد إضافة تقنية، بل يشكل نقلة استراتيجية في طريقة تخطيط الطرق، واختبار جودتها، واتخاذ القرار الهندسي قبل التنفيذ، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في رفع كفاءة الإنفاق، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز الاستدامة.
من الاختبار التقليدي إلى المحاكاة الذكية
لطالما اعتمدت مشاريع الطرق حول العالم على اختبارات تقليدية للمواد، تستغرق وقتًا طويلًا، وتعتمد على نماذج محدودة لا تعكس بالضرورة الواقع الكامل للضغط المروري والمناخي. ومع ازدياد كثافة الحركة، وارتفاع أوزان المركبات، وتغير أنماط الاستخدام، باتت هذه الأساليب غير كافية لتوقع أداء الطريق على المدى الطويل.
الجهاز الجديد الذي أدخلته هيئة الطرق يغيّر هذه المعادلة جذريًا، إذ يتيح اختبار عينات طبقات الطريق قبل تنفيذها فعليًا، عبر تعريضها لضغط مروري متكرر يحاكي حركة الشاحنات والمركبات الثقيلة، مع مراعاة اختلاف درجات الحرارة والظروف البيئية.
كيف يعمل جهاز محاكاة الأحمال المرورية الثقيلة؟
يعتمد الجهاز على نظام ميكانيكي متطور يولد أحمالًا متكررة عالية الدقة، تُطبق على عينات حقيقية من طبقات الرصف، وفق سيناريوهات تحاكي الاستخدام الفعلي للطريق. ويتميز الجهاز بقدرته على تنفيذ ما يصل إلى 26 ألف دورة تحميل خلال 24 ساعة فقط، وهو رقم يعادل سنوات من الاستخدام اليومي للطريق.
كما يغطي نطاقًا واسعًا من درجات الحرارة، تبدأ من 15 درجة مئوية تحت الصفر وتصل إلى 60 درجة مئوية، ما يسمح بمحاكاة الظروف المناخية المتنوعة التي تشهدها مناطق المملكة، من المناطق الجبلية الباردة إلى البيئات الصحراوية الحارة.
اختبار قبل التنفيذ بدل الإصلاح بعده
أحد أهم مكاسب هذا الجهاز هو نقل مرحلة اكتشاف العيوب من ما بعد التنفيذ إلى ما قبله. ففي السابق، كانت بعض المشكلات تظهر بعد سنوات من تشغيل الطريق، ما يفرض أعمال صيانة مكلفة، وإغلاقات مرورية، وتأثيرات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة.
اليوم، يمكن للهيئة اختبار المواد والخلطات الإسفلتية والطبقات الإنشائية مسبقًا، والتأكد من مطابقتها لكود الطرق السعودي والمواصفات المعتمدة، قبل اعتمادها في المشاريع الجديدة أو مشاريع التوسعة والصيانة.
كفاءة الإنفاق… مفهوم يتجاوز التوفير المالي
تؤكد هيئة الطرق أن استخدام الجهاز لا يقتصر على تحسين الجودة فقط، بل يسهم بشكل مباشر في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، عبر تقليل الهدر، وإطالة العمر التشغيلي للطرق، وتقليص تكاليف الصيانة الطارئة.
فعندما يتم اختيار المواد الأنسب منذ البداية، بناءً على بيانات محاكاة دقيقة، فإن الطريق يخدم لفترة أطول بكفاءة أعلى، ويقل عدد التدخلات الإصلاحية، ما ينعكس إيجابًا على الميزانية العامة وعلى تجربة مستخدمي الطريق.

الاستدامة في قلب القرار الهندسي
يتماشى الجهاز الجديد مع توجهات المملكة نحو الاستدامة، إذ يتيح تقييم مواد بديلة وأكثر صداقة للبيئة، واختبار أدائها قبل اعتمادها، ما يفتح المجال لاستخدام مواد معاد تدويرها أو تقنيات رصف تقلل البصمة الكربونية.
كما أن تقليل أعمال الصيانة المتكررة يعني تقليل استهلاك المواد والطاقة، وخفض الانبعاثات الناتجة عن المعدات الثقيلة، وهو ما يدعم مستهدفات الاستدامة البيئية ضمن رؤية 2030.
الطرق كمنظومة ذكية لا مجرد أسفلت
يعكس هذا المشروع تحول النظرة إلى الطرق من كونها بنية تحتية صامتة، إلى منظومة ذكية قائمة على البيانات والتحليل والتنبؤ. فالجهاز لا يختبر مادة فقط، بل يقدّم سيناريوهات أداء مستقبلية، تساعد صناع القرار على اختيار الحلول الأنسب لكل موقع وطبيعة استخدام.
وهذا التوجه يتقاطع مع مفاهيم المدن الذكية، والنقل الذكي، حيث تصبح الطرق عنصرًا فاعلًا في منظومة التنمية، لا مجرد ممر للحركة.
دور الجهاز في المشاريع الكبرى
تأتي أهمية هذا الجهاز في توقيت تشهد فيه المملكة تنفيذ مشاريع عملاقة في مجالات النقل والبنية التحتية، سواء داخل المدن أو بينها، بما في ذلك مشاريع الربط اللوجستي، والطرق السريعة، والمناطق الاقتصادية الخاصة.
واستخدام مثل هذه التقنيات المتقدمة يضمن أن تكون هذه المشاريع مبنية على أسس علمية دقيقة، وقادرة على تحمّل النمو المستقبلي في الحركة المرورية، دون الحاجة إلى إعادة تأهيل مبكرة.
توطين المعرفة ونقل الخبرة
إلى جانب البعد التقني، يمثل الجهاز خطوة مهمة في توطين المعرفة الهندسية المتقدمة داخل المملكة، وبناء قدرات وطنية قادرة على تشغيل هذه التقنيات وتحليل نتائجها وتطويرها.
وتعمل هيئة الطرق على تدريب كوادرها الفنية والهندسية على استخدام الجهاز، وتوظيف مخرجاته في تطوير كود الطرق السعودي، بما يواكب أفضل الممارسات العالمية.
السعودية في موقع الريادة الإقليمية
كون الجهاز الأول من نوعه في الشرق الأوسط، يضع المملكة في موقع ريادي إقليميًا في مجال اختبار الطرق والبنية التحتية، ويفتح المجال لتبادل الخبرات مع دول المنطقة، وربما تقديم خدمات اختبار واستشارات مستقبلية.
وهذا يعزز من مكانة السعودية كمركز إقليمي للابتكار في قطاع النقل والبنية التحتية.
رؤية 2030… من التخطيط إلى التنفيذ الذكي
يجسد هذا المشروع أحد أوجه التحول الذي تستهدفه رؤية المملكة 2030، حيث لا يقتصر التطوير على بناء المزيد من الطرق، بل على بناء طرق أكثر ذكاءً، وأكثر كفاءة، وأكثر استدامة.
فالطريق في مفهوم الرؤية ليس مجرد وسيلة انتقال، بل عنصر أساسي في جودة الحياة، والسلامة المرورية، والتنمية الاقتصادية، والتكامل بين المناطق.
ما الذي يعنيه ذلك للمواطن والمقيم؟
على المدى المتوسط والطويل، سينعكس استخدام هذه التقنية على المستخدم النهائي للطريق، من خلال طرق أكثر متانة، وأقل تضررًا، وأكثر أمانًا، مع تقليل الإغلاقات والصيانة المفاجئة.
كما يعني تجربة قيادة أكثر سلاسة، وتقليل تكاليف المركبات الناتجة عن تلف الإطارات أو التعليق بسبب سوء الطرق، وهو جانب غالبًا ما يُغفل عند الحديث عن جودة البنية التحتية.
نحو مستقبل طرق يُختبر قبل أن يُبنى
يمثل جهاز محاكاة الأحمال المرورية الثقيلة خطوة عملية نحو مستقبل تُبنى فيه الطرق بناءً على اختبارات دقيقة، لا افتراضات نظرية، ويُتخذ القرار الهندسي استنادًا إلى بيانات تحاكي الواقع لعقود مقبلة.
وهو نموذج يعكس عقلية التخطيط طويل الأمد، والاستثمار الذكي، والإدارة الحديثة للبنية التحتية، التي تضع المملكة في مصاف الدول الرائدة عالميًا في هذا القطاع.
ما هو جهاز محاكاة الأحمال المرورية الثقيلة الذي دشّنته هيئة الطرق؟
هو جهاز متطور يختبر عينات طبقات الطريق عبر محاكاة مرور المركبات الثقيلة عليها، بما يعادل 20 عامًا من الاستخدام الفعلي خلال فترة زمنية قصيرة.
ما الهدف من استخدام هذا الجهاز؟
تقييم جودة وأداء مواد الطرق قبل التنفيذ، ورفع كفاءة الإنفاق، وإطالة العمر التشغيلي للطرق، وتقليل أعمال الصيانة المستقبلية.
ما الذي يميز هذا الجهاز عن الاختبارات التقليدية؟
قدرته على تنفيذ آلاف دورات التحميل يوميًا، ومحاكاة ظروف مناخية متنوعة، وتقديم بيانات دقيقة تحاكي الواقع طويل الأمد.
كيف يخدم الجهاز مستهدفات رؤية السعودية 2030؟
من خلال تحسين جودة البنية التحتية، وتعزيز الاستدامة، ورفع كفاءة الإنفاق، وتطوير قطاع النقل وفق أفضل الممارسات العالمية.
هل ينعكس هذا التطور على مستخدمي الطرق؟
نعم، عبر طرق أكثر أمانًا ومتانة، وتقليل الإغلاقات والصيانة المفاجئة، وتحسين تجربة القيادة وجودة الحياة.
اقرأ أيضًا: ضربة بحرية غير مسبوقة.. مصادرة 27 طن كوكايين في عمليتين تهزان شبكات التهريب عالميًا

