منوعات

ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟

الترند العربي – متابعات

ليست كل القصص الإنسانية تُروى بالألم، فبعضها يُكتب بالابتسامة، ويُحفظ بالإرادة، ويُترجم بلغة التقنية. هكذا جاءت حكاية الشاب السعودي أنس التركي، التي روتها والدته الدكتورة أمل السيف لـ«سبق»، في شهادة إنسانية مؤثرة تختصر معنى التحدي حين يقترن بالإيمان والعلم والدعم الأسري.

ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟
ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟

حادث غيّر الجسد ولم يغيّر الروح

قبل أكثر من 12 عامًا، تعرّض أنس، وكان حينها في الثانية عشرة من عمره، لحادث أليم أقعده عن الحركة والكلام، وألزمه بالتنفس عبر فتحة تنفس، والتغذية بأنبوب. لحظة بدت وكأنها نهاية طريق، لكنها تحوّلت مع الوقت إلى بداية مسار مختلف تمامًا.

اليوم، يبلغ أنس نحو 24 عامًا، وما زالت حالته الصحية كما هي، لكن ما تغيّر جذريًا هو موقعه في الحياة. لم يعد مريضًا على سرير علاج، بل شابًا منتجًا، متعلمًا، وحاضرًا في الفضاء الرقمي، يتفاعل مع العالم بابتسامة وحركة عين.

ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟
ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟

يتحدث بعينيه.. ويتحكم بالعالم بالتقنية

تشرح والدته أن أنس لا ينطق، لكنه يمتلك وسيلة تواصل أكثر عمقًا. باستخدام تقنيات تتبع حركة الوجه والعين، يستطيع التحكم الكامل بالهاتف والآيباد، فتح التطبيقات، حضور الاجتماعات، التعلم عن بُعد، والتواصل مع محيطه.

الأكثر إلهامًا أنه يقرأ القرآن الكريم ويحفظه بهذه الطريقة، حيث يفتح المصحف ويتابع آياته بحركة وجه فقط، دون أي تدخل بشري، في مشهد يختصر تزاوج الإيمان بالتقنية.

ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟
ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟

حافظ للقرآن.. وخريج جامعة ومبرمج

أنس لم يتوقف عند تجاوز إعاقته اليومية، بل صنع إنجازاته الخاصة. أتم حفظ القرآن الكريم، ونال جائزة من أمير منطقة الرياض تقديرًا لإلهامه في تطبيقات القرآن. كما تخرّج من الجامعة متخصصًا في تقنية المعلومات، ويعمل في مجال البرمجة.

حاليًا، يشارك في معسكر تطوير الألعاب باستخدام Unity ضمن أكاديمية طويق، معتمدًا بشكل كامل على تقنيات تتبع الوجه والعين، في تأكيد عملي أن الإعاقة لا تعني الغياب عن سوق العمل أو مسارات التطوير المهني.

ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟
ابتسامة تتجاوز الجسد.. كيف حوّل أنس التركي الإعاقة إلى مشروع حياة بالتقنية والإيمان؟

حضور لافت في مؤتمر «أبشر 2025»

خلال مؤتمر «أبشر 2025»، شارك أنس في عدد من الورش التدريبية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والخدمات الحكومية الرقمية، في صورة تختصر معنى الدمج الحقيقي لذوي الإعاقة في الفعاليات الوطنية.

في الوقت ذاته، حققت والدته إنجازًا موازيًا، بحصولها مع فريقها على المركز الأول في تحدي أبشر الثاني عن مشروع «خدمة عملاء ذكية للصم»، في نموذج يوضح كيف تحوّلت التجربة الشخصية إلى ابتكار يخدم المجتمع.

أم غيّرت مسارها العلمي بسبب ابنها

تقول الدكتورة أمل السيف إن حادث أنس لم يغيّر حياتها الأسرية فقط، بل أعاد تشكيل اهتماماتها العلمية والبحثية. بعد أن كانت متخصصة في علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي من منظور أكاديمي، أصبحت تسخّر علمها لخدمة ذوي الإعاقة.

وتؤكد أن ما تقوم به اليوم لم يعد بحثًا أو وظيفة، بل رسالة حياة، هدفها تمكين الإنسان من الاستقلالية والكرامة، مهما كانت ظروفه الجسدية.

من تجربة شخصية إلى عمل مؤسسي

انطلاقًا من هذه الرحلة، أسست الأسرة جمعية التواصل للتقنيات المساعدة لذوي الإعاقة، التي تضم اليوم أكثر من 300 جهاز وتقنية مساعدة، تخدم ذوي الإعاقة وكبار السن ومرضى التوحد والزهايمر والصم والمكفوفين.

كما جرى تأسيس مركز «تقدر» للتقنيات المساعدة في حي غرناطة بالرياض، لتشخيص الحالات، وتجربة الأجهزة، وتدريب المستفيدين عليها، وتقديم الخدمات لمختلف مناطق المملكة.

يوم أنس.. تفاصيل دقيقة وصبر يومي

حياة أنس اليومية لا تخلو من التحديات. يبدأ يومه بتمارين صباحية ومسائية لمنع تيبّس العضلات، والانتقال من السرير إلى الكرسي بمساعدة، والعناية الطبية بفتحة التنفس، ثم الصلاة، فالتدريب والدراسة عن بُعد.

حتى على سرير العلاج، جرى تثبيت كاميرا ذكية موجهة إلى وجهه، تُمكّنه من طلب المساعدة عبر ثلاث ابتسامات فقط، في مثال دقيق على كيف يمكن للتقنية أن تصنع استقلالية حقيقية.

ابتكارات داخل المنزل

داخل منزل الأسرة، تتجاور الطابعة ثلاثية الأبعاد مع أجهزة استشعار، ونظارات ذكية لتتبع حركة العين، وتقنيات ذكاء اصطناعي جرى تطويرها أو تكييفها خصيصًا لأنس. الهدف لم يكن الإبهار التقني، بل تقليل اعتماده على الآخرين، وتعزيز شعوره بالتحكم في تفاصيل حياته.

رسالة إلى الأسر والمجتمع

توجّه والدة أنس رسالة واضحة للأسر التي لديها أبناء من ذوي الإعاقة، مؤكدة أن الصبر، والتفهم، ومنح الوقت الكافي للتواصل، يمكن أن تصنع فارقًا جذريًا في حياة الأبناء.

كما شددت على أهمية دور المجتمع والبيئة الداعمة في تمكين ذوي الإعاقة، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تؤكد دمجهم بوصفهم طاقات منتجة ومؤثرة، لا حالات تحتاج إلى شفقة.

أنس التركي.. قصة وطن

قصة أنس ليست حكاية عن الإعاقة، بل عن الإرادة حين تجد طريقها، وعن التقنية حين تُستخدم بإنسانية، وعن أسرة حوّلت الألم إلى مشروع أمل.

شاب يتنفس عبر جهاز، لكنه يمنح الآخرين هواءً من الإلهام، ويثبت أن الإعاقة الحقيقية ليست في الجسد، بل في غياب الفرصة.

اقرأ أيضًا: منتخب مصر يبدأ رحلة استعادة المجد الإفريقي أمام زيمبابوي.. التاريخ حاضر والطموح أكبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى