العُلا تعيد الحياة إلى موائلها… إطلاق 37 كائنًا فطريًا في محمية الحِجر ضمن أكبر برامج إعادة التوطين البيئي في المملكة
الترند العربي – متابعات
في خطوة جديدة تعكس التزام المملكة بحماية بيئتها الطبيعية وتعزيز تنوعها الأحيائي، شهدت محمية الحِجر في العُلا إطلاق 37 كائنًا فطريًا ضمن واحدة من أهم عمليات إعادة التوطين في تاريخ المنطقة. يأتي هذا الحدث في إطار جهود المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، بالتعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، لتحقيق مستهدفات بيئية تتماشى مع رؤية 2030، ومبادرة السعودية الخضراء، والاستراتيجية الوطنية للبيئة، إضافة إلى التوجهات العالمية في حماية الحياة البرية والأنظمة البيئية المهددة.
لم يكن إطلاق هذه الكائنات مجرّد عملية عابرة أو حدثًا احتفاليًا، بل يمثل حلقة ضمن سلسلة طويلة من البرامج العلمية والبحثية التي تهدف إلى إعادة بناء التوازن البيئي الذي تضرر عبر العقود الماضية، وتعزيز قدرة المحميات الطبيعية على احتضان الأنواع الفطرية التي كانت جزءًا أصيلًا من بيئة المملكة. ومع إعلان إطلاق 6 وعول جبلية، و20 ظبي ريم، و6 ظباء إدمي، و5 من طيور النعام، فإن محمية الحِجر تدخل اليوم مرحلة جديدة من استعادة هويتها البيئية الأصلية.

محمية الحِجر… قلب العُلا البيئي وموطن الإرث الطبيعي والإنساني
حين نتحدث عن الحِجر، فنحن أمام موقع مسجل في قائمة التراث العالمي لليونسكو، ومكان يجمع بين إرث نَبطي عريق وطبيعة صحراوية فريدة. تمتاز المحمية بتضاريسها المدهشة التي تشمل الجبال، والهضاب، والكثبان الرملية، والسهول المفتوحة، ما يجعلها موطنًا مثاليًا لعدد كبير من الكائنات الفطرية التي كانت تنتشر فيها منذ آلاف السنين.
لكن هذه البيئة الطبيعية الغنية تأثرت تدريجيًا مع الزمن بسبب التوسع العمراني، والصيد الجائر، وتغيّر المناخ، ما أدى إلى انحسار العديد من الأنواع البرية. ومن هنا تأتي أهمية هذا البرنامج الضخم لإعادة التوطين، الذي لا يهدف فقط إلى زيادة أعداد الأنواع، بل لإحياء النظام البيئي بكامل عناصره، وإعادة التوازن الطبيعي الذي يعزز قدرة البيئة على التجدد، ويُعيد للمكان هويته الطبيعية الأصيلة.
لماذا 37 كائنًا؟ خلف الأرقام أهداف علمية دقيقة
قد تبدو عملية إطلاق 37 كائنًا فقط رقمًا بسيطًا للوهلة الأولى، لكن المتخصصين في البيئة يدركون أن عمليات إعادة التوطين لا تعتمد على العدد بقدر اعتمادها على النوع، والقدرة على التأقلم، والنسب المطلوبة لتحقيق توازن في السلسلة البيئية داخل المحمية.
شملت العملية إطلاق:
• 6 وعول جبلية
• 20 ظبي ريم
• 6 ظباء إدمي
• 5 من طيور النعام
وكل نوع من هذه الأنواع يحمل دورًا بيئيًا مهمًا، فالعول الجبلية تحافظ على صحة الغطاء النباتي عبر تناسق الرعي، بينما ظبي الريم يمثل أحد أكثر الأنواع تكيفًا مع البيئات الصحراوية ويتكامل مع الحيوانات الأخرى في توزيع التوازن البيئي. الظباء الإدمي، وهي من الأنواع المهددة بالانقراض، لها أهمية كبيرة في تنشيط النظام الحيوي، أما النعام فهو عنصر ضخم ومؤثر يسهم في نشر البذور وتجديد الغطاء النباتي.

إعادة التوازن البيئي… هدف يتجاوز مجرد الإطلاق
عملية إعادة التوطين ليست مجرد إطلاق لحيوانات في البرية، بل هي منظومة متكاملة تشمل مراحل متعددة قبل الإطلاق وبعده. ومن هنا، أكّد الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، الدكتور محمد بن علي قربان، أن هذه الخطوة تأتي ضمن جهود علمية دقيقة تهدف إلى إعادة التوازن البيئي والحفاظ على الأنواع المهددة واستعادة النظام البيئي المتكامل في العُلا.
وأشار قربان إلى أن هذه العمليات تأتي ضمن سياق رؤية المملكة 2030 التي تضع البيئة في صلب الاهتمامات الوطنية، معززة من مكانة المملكة عالميًا في حماية الطبيعة واستدامة مواردها.
رؤية 2030 والسعودية الخضراء… البيئة شريك أساسي في التنمية
من المهم النظر إلى عملية إطلاق 37 كائنًا في سياقها الأوسع، فهي ليست مبادرة بيئية فحسب، بل خطوة داخلة ضمن مشروع وطني ضخم يعيد تشكيل علاقة الإنسان بالبيئة في المملكة. وفي هذا السياق، تنص مبادرة السعودية الخضراء على رفع نسبة المناطق المحمية، وزراعة مليارات الأشجار، وتحسين جودة الهواء، وزيادة التنوع الأحيائي.
ومن خلال إطلاق الكائنات الفطرية في محمية الحِجر، فإن المملكة تُعيد تأكيد التزامها العالمي تجاه البيئة، وتسير بخطى حثيثة نحو تنفيذ استراتيجيتها الوطنية للبيئة التي تتضمن حماية الحياة الفطرية وإعادة تأهيل النظم الطبيعية. كما تعزز هذه الجهود مكانة العُلا كوجهة بيئية عالمية تجمع بين التراث الطبيعي والثقافي في نموذج تنموي فريد.

برامج الإكثار… المختبر الأول لاستعادة الحياة البرية
التكاثر الاصطناعي وبرامج الإكثار ليست مجرد طرف علمي، بل عملية دقيقة تتطلب خبرات بيولوجية عالية. وقد بدأ المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية تنفيذ برامج الإكثار منذ سنوات بهدف حماية الأنواع المهددة. وتشمل هذه البرامج:
الفحوصات الصحية الدقيقة
إعداد بيئات تكاثر متكاملة
التأهيل السلوكي للكائنات
تعويد الحيوانات على نمط الحياة البرية
تدريبها على البحث عن الغذاء
تهيئتها للاندماج مع البيئة الطبيعية
هذه الخطوات تضمن نجاح عملية إعادة التوطين على المدى الطويل، وتقلل من مخاطر عدم تأقلم الكائنات مع بيئتها الجديدة.
محمية الحِجر… لماذا اختيرت لتنفيذ البرنامج؟
تتميز محمية الحِجر بخصائص تجعلها الموقع الأنسب لعمليات إعادة التوطين، ومنها:
وجود بيئة طبيعية متنوعة تشمل جبالًا ووديانًا وسهولًا
قدرتها على توفير الغطاء النباتي المناسب للرعي
وجود مصادر مائية موسمية
موقعها المحمي وغياب الأنشطة البشرية الضاغطة
إدارتها من قبل الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وفق منظومة متكاملة
هذه العناصر تجعل المحمية موقعًا مثاليًا لتنمية الحياة الفطرية، ولإعادة تأهيل الأنواع التي انحسرت خلال السنوات الماضية.
العُلا… نموذج عالمي لمزج البيئة بالتراث
أصبحت العُلا اليوم واحدة من أشهر المواقع في العالم التي تجمع بين التراث الطبيعي والثقافي. فقد نجحت الهيئة الملكية لمحافظة العُلا في تحويل المنطقة إلى مركز عالمي يجمع بين المواقع التراثية مثل الحِجر ودادان وجبل عكمة، وبين مشاريع بيئية واسعة تشمل حماية الحياة البرية، واستعادة الغطاء النباتي، وإنشاء مسارات مخصصة للزيارة البيئية المستدامة.
هذا التكامل بين البيئة والثقافة يعزز من مكانة العُلا كوجهة عالمية ليست فقط للتراث والحضارة، بل لعشاق الطبيعة والاستكشاف.
المتابعة والرصد… المرحلة الأهم بعد الإطلاق
أوضح المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية أن مرحلة الإطلاق ليست نهاية العمل، بل بداية عملية طويلة تتضمن:
الرصد باستخدام الأقمار الصناعية
المتابعة الميدانية
تحليل البيانات السلوكية للحيوانات
تقييم قدرتها على الاندماج في السلسلة الغذائية
مراقبة توازن النظام البيئي
هذه الإجراءات تسهم في ضمان بقاء الكائنات وتكاثرها بشكل صحي داخل المحمية.
الوعي البيئي… دور المجتمع في حماية الحياة الفطرية
نجاح هذه البرامج لا يعتمد فقط على المراكز والهيئات، بل على وعي المجتمع أيضًا. فحماية الحياة الفطرية تبدأ بعدم الإضرار بموائلها الطبيعية، وتجنب الصيد الجائر، وعدم الاقتراب من المناطق المحمية، ودعم الجهود المستمرة في الحفاظ على البيئة. ومن خلال نشر الوعي، يمكن للمجتمع أن يصبح شريكًا رئيسيًا في حماية الأنواع وإعادة التوازن البيئي.
إعادة التوطين… أثر اقتصادي وسياحي وثقافي
لا تقتصر أهمية إعادة التوطين على الجانب البيئي فقط، بل تمتد لتشمل:
تعزيز السياحة الطبيعية
رفع قيمة التجارب البيئية في العُلا
خلق فرص اقتصادية جديدة
تحفيز الأبحاث العلمية
رفع مكانة المملكة عالميًا في حماية البيئة
فكل كائن فطري يعود إلى بيئته الطبيعية يمثل إضافة إلى هوية العُلا البيئية، ويشكل عنصرًا جاذبًا للزوار الذين يرغبون في رؤية الحياة البرية تستعيد مجدها القديم.
الاستدامة… المفتاح الحقيقي لنجاح المشروع
إن استعادة الأنواع المهددة لا تتحقق بعملية إطلاق واحدة، بل باستمرار البرامج المرتبطة بالرصد، والحماية، والتوسع في استعادة موائلها الطبيعية. ومن هذا المنطلق، تواصل المملكة تنفيذ خطط متكاملة تشمل حظر الصيد الجائر، وتعزيز الوعي البيئي، والاستثمار في التقنيات الحديثة لمراقبة الحياة البرية. كل ذلك يجعل الاستدامة جزءًا أساسيًا من رؤية المملكة البيئية.
العُلا والبيئة… قصة نجاح ستمتد لعقود
المتابع لمسيرة العُلا خلال السنوات الأخيرة يدرك أن الجهود البيئية ليست مجرد مبادرات، بل مشروع طويل الأمد لإعادة تشكيل المنطقة طبيعيًا وثقافيًا واقتصاديًا. فالعُلا اليوم ليست فقط مدينة تراثية، بل مركز بيئي عالمي يطبق أعلى المعايير الدولية في الاستدامة وحماية الطبيعة.
ومع إطلاق 37 كائنًا فطريًا في محمية الحِجر، تصبح المنطقة أقرب إلى استعادة صورتها التاريخية كموطن غني بالحياة البرية، وبيئة تفاعلية تجمع بين الإنسان والحيوان والنبات في نظام بيئي واحد يعزز جمال العُلا وتفردها على مستوى العالم.
ما الأهداف الأساسية لإطلاق الكائنات الفطرية في محمية الحِجر؟
تهدف العملية إلى تعزيز التنوع الأحيائي، واستعادة الأنواع المهددة، وإعادة التوازن البيئي في المنطقة.
هل ستتكرر عمليات الإطلاق مستقبلًا؟
نعم، فالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية ينفذ برنامجًا مستمرًا للإكثار وإعادة التوطين.
كيف يتم التأكد من نجاح عملية الإطلاق؟
من خلال الرصد الميداني، والمتابعة بالأجهزة الحديثة، وتحليل السلوك الطبيعي للحيوانات.
هل يمكن للزوار مشاهدة هذه الكائنات داخل المحمية؟
نعم، لكن ضمن مسارات مخصصة تحافظ على سلامة الحياة الفطرية وتحمي موائلها الطبيعية.
اقرأ أيضًا: مشاهد مهيبة من ضباء والوجه وأملج… السيول ترسم أعظم لوحات الطبيعة وتتدفق بقوة نحو البحر الأحمر


