ديليجان.. الجوهرة الخضراء التي تفاجئ السعوديين بجمالها ومذاقاتها العشبية الفريدة
الترند العربي – متابعات
تبدو ديليجان، المدينة الأرمنية الصغيرة التي تتربّع في قلب مقاطعة تافوش شمال البلاد، وكأنها عالم منفصل عن الزمن. فبين غابات كثيفة تُضيء بألوانها عبر الفصول، وهواء نقي ينعش الروح، ومشهد جبلي يحتضن الهدوء، يجد الزائر نفسه أمام وجهة مذهلة لم يعرف عنها كثير من السعوديين، رغم أنها واحدة من أكثر المدن الأوروبية الشرقية جذبًا لعشّاق الطبيعة والأطعمة الجبلية النادرة.
وعلى الرغم من أن أرمينيا معروفة بأجوائها الجبلية وتراثها العريق، إلا أنّ ديليجان تحديدًا تقدّم تلك التجربة التي تحمل شيئًا من السكينة، وشيئًا من الفخامة، وشيئًا من الضيافة الشعبية، كلّها بجرعة لا تُنسى. ولعل أكثر ما يميّز المدينة هو قدرتها على الجمع بين الطبيعة البِكر، والمطبخ العشبي الفريد، والمشاريع السياحية الحديثة التي تحوّلها تدريجيًا إلى وجهة عالمية.

مدينة ولدت من الغابات
لا يمكن الحديث عن ديليجان دون التوقف عند طبيعتها الثرية. فهنا تمتد الغابات لمسافات لا تنتهي، وتتنوع أشجارها بين الزان والبلوط والصنوبر، مما يمنح المدينة غلافًا أخضر كثيفًا على مدار العام. ويصف سكانها مدينتهم بأنها “قلب أرمينيا الأخضر”، بينما يُطلق عليها الزوار لقب “سويسرا الأرمنية”، لما تحمله من تشابه بصري بين مدن الألب الأوروبية.
ويجد المسافر، بمجرد دخوله المدينة، سكينة فورية لا تشبه أي مكان آخر. فالمنازل الخشبية الصغيرة تختبئ بين الأشجار، والممرات الجبلية تنادي المتجولين نحو مسارات اكتشاف طبيعية، إلى جانب هواء نقي يكتسب برودته من ارتفاعات الجبال المحيطة.

ديليجان.. ملهمــة الفنانين عبر العقود
لم تكن ديليجان مجرد منتجع طبيعي، بل كانت خلال الحقبة السوفيتية ملاذًا للفنانين والموسيقيين والشعراء. فقد احتضن “مجمع بيت الموسيقيين” أسماء عالمية مثل خاتشاتوريان وشوستاكوفيتش وروستروبوفيتش، الذين وجدوا في المدينة مكانًا لإعادة شحن الإبداع. ولا يزال هذا المجمع قائمًا حتى اليوم، ويضم قاعة عروض ومنتجعًا وفيلل جبلية كانت مقر إقامة تلك الشخصيات الفنية.
والمفاجأة أن بعض هذه الفيلل ما زال متاحًا للحجز، ليعيش السائح تجربة إقامة فريدة داخل مساحات شهدت خلق أعمال موسيقية أصبحت جزءًا من ذاكرة الفن العالمي.

مذاقات الديليجان.. مطبخ من الأعشاب الجبلية
المطبخ الأرمني غني بطبيعته، لكن ديليجان تمنحه بعدًا إضافيًا يعتمد على الأعشاب الطازجة والفطر البرّي النادر. وهذا ما يجعل تجربة الطعام هنا جزءًا أساسيًا من الرحلة. ففي كل طبق تقريبًا تجد نكهة عشبية تعبّر عن الجبال نفسها، سواء في السلطات أو المشويات أو الحساء الشعبي.
ويُقدّم السكان المحليون أطباقًا تعتمد على مئات الأنواع من الأعشاب الموسمية، وفطر يتم جمعه من الغابات المحيطة. ويكاد لا يخلو بيت أو مطعم من نكهات “الزعتر الأرمني”، “الطرخون”، “المرامية الجبلية”، إلى جانب أنواع مختلفة من الفطر البرّي.
ويكمل هذا المشهد تجارب “البيسيدكا” الشهيرة، وهي أماكن شواء مجهّزة في أعالي الجبال، يجتمع فيها العائلات والزوار حول لحوم مشوية على الجمر وأطباق طازجة تُعد مباشرة في الهواء الطلق. وغالبًا ما يكون طبق “الذرة الديليجانية” حاضرًا في المشهد، وهي حبوب ذرة تُشوى بطريقة تقليدية وتشتهر بها المنطقة.

مطاعم المدينة.. نكهات لا تُنسى
تضم ديليجان مجموعة من المطاعم الأصيلة مثل “دارافاند”، “تون أرميني”، “بيت بابانينو”، “ناري”، “إم تون ديليجان”، وغيرها من المطاعم التي تعتمد على وصفات تراثية، وتقدّمها في أجواء خشبية دافئة تعيد الزائر إلى زمن بسيط هادئ.
وتشكّل هذه المطاعم نقطة جذب رئيسية لزوّار المدينة من السعوديين والعرب، خصوصًا أولئك الذين يبحثون عن تجربة طعام مختلفة لا تعتمد على النكهات التجارية، بل على عناصر من الطبيعة نفسها.

قفزة سياحية وفندقية كبيرة
تحوّلت ديليجان خلال السنوات الأخيرة إلى واحدة من أسرع المدن نموًا في قطاع الضيافة بأرمينيا. فقد شهدت افتتاح فنادق جديدة ومنتجعات راقية، إلى جانب عشرات الفنادق القائمة التي طوّرت خدماتها لتواكب المعايير العالمية.
وتعد فنادق مثل “ديليجان إن” و”ديليجان تون” من أبرز أماكن الإقامة، حيث تجمع بين الراحة والفخامة والطابع الجبلي.
مشاريع “جرين روك”.. إعادة تعريف مستقبل ديليجان
تعمل شركة “جرين روك للإدارة” على تطوير مشاريع ضخمة تهدف إلى تحويل ديليجان إلى مركز سياحي وتجاري وثقافي مستدام، من أهمها مشروع “منتجع ومجمع سكانا”، الذي يمتد على مساحة 43 ألف متر مربع.
ويضم المشروع 180 غرفة فندقية وقاعة مؤتمرات لـ500 شخص ودور سينما ومركز مؤتمرات ومتاجر ومطاعم ومنتجع صحي، مما يجعله الوجهة الأولى في المدينة للمؤتمرات وسياحة الأعمال والفعاليات.
وتؤكد ماريتا جيفوركيان، الشريكة المؤسسة للشركة والمنحدرة من ديليجان، أن المدينة تمتلك روحًا خاصة يجب الحفاظ عليها وتنميتها، وأن مشاريع “جرين روك” تركز على خلق فرص اقتصادية وتعليمية وثقافية تعود بالنفع على السكان المحليين.
مؤسسة “جرين روك”.. مشاريع تعليمية وثقافية مستدامة
تعمل المؤسسة على تنفيذ مبادرات ترتكز على ثلاثة محاور:
– التعليم: من خلال “مدرسة أبيشيوس أرمينيا” الدولية لفنون الطهي بالشراكة مع “أبيشيوس فلورنسا”.
– الثقافة: عبر منصة “تعرف على ديليجان – MeetDilijan.com” للترويج للمدينة.
– الاستدامة: مثل مشروع “التاكسي الأخضر”، وتجديد مرافق رياضية، وتبني برامج دعم المتاحف والفنون، ورعاية الكلاب الضالة، وغيرها.
وتوضح إيكاترينا بريديكينا، رئيسة المؤسسة، أن رؤية ديليجان المستقبلية تشمل جعلها وجهة عالمية للمؤتمرات والمعارض، مع برامج لجذب سياحة الإقامات الطويلة، إضافة إلى خطط لاستضافة مهرجانات عالمية للطعام والشراب بحلول 2029.
تجارب ثقافية أصيلة
تزخر ديليجان بتجارب عديدة تتيح للزائر التعرف على جذورها الإنسانية والثقافية:
– “مجمع ديليجان القديم – شارع شارامبيان”: حيث يعمل الحرفيون على نحت الخشب وصناعة السجاد وخبز اللافاش.
– ورش إعداد “الدولما” و”الجاتا” وصناعة المربى والعسل.
– المتحف الجيولوجي ومتحف الفنون الشعبية.
– زيارة “تومو ديليجان” ومجمع “UWC Dilijan”، وهما من أهم مراكز التعليم الحديث في أرمينيا.
بحيرات وغابات.. لوحات طبيعية
تعد “حديقة ديليجان الوطنية” القلب الأخضر للمنطقة. وهي موطن بحيرتين رئيسيتين:
– بحيرة بارز ليش (البحيرة الصافية).
– بحيرة غوش العميقة التي تحيط بها غابات كثيفة.
كما تحتضن الحديقة مركزًا لإعادة توطين الغزال الأحمر القوقازي، الذي يشكّل نقطة جذب للزوار والعائلات.
ثقافة بيئية راسخة
يحرص أهل ديليجان على حماية بيئتهم، ويدعون الزائر دائمًا إلى مغادرة المكان كما وجده. وتنتشر مبادرات مثل “تبنَّ مسارًا”، “تنظيف الغابة”، والتخييم البيئي، إلى جانب برامج العافية التي تجمع بين التأمل واليوغا وتقاليد العلاج الأرمنية.
هل ديليجان مناسبة للعائلات السعودية؟
نعم، فهي مدينة آمنة، هادئة، ومناسبة للأطفال وتضم أنشطة عائلية كثيرة.
ما أفضل وقت لزيارتها؟
الصيف للهروب من الحر، والخريف لألوان الغابات، والشتاء لعشاق البرد والثلوج.
هل الطعام مناسب للذوق العربي؟
نعم، أغلب الأطباق تعتمد على مشويات وأعشاب طبيعية بنكهات قريبة من المطبخ الشرقي.
هل تحتاج المدينة إلى سيارة للتنقل؟
يفضَّل ذلك لتسهيل الوصول للغابات ومسارات المشي.
ما الذي يجعل ديليجان مميزة؟
توازن نادر بين الطبيعة البِكر، تجارب الطعام العشبي، المشاريع الحديثة، والضيافة الأصيلة.
اقرأ أيضًا: إنجاز طبي لافت.. مستشفيات د. سليمان فقيه ضمن أفضل مستشفيات الشرق الأوسط لعام 2026
