
ماذا تعرف عن أثار البيع القضائي للسفن في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة – نيويورك 2022
د. مساعد سعود الرشيدي
تعد التجارة البحرية من أهم ضروب النشاط البشري نفعًا للجماعة الدولية ، ولها دورًا كبيرًا في نظام التجارة الدولية، حيث أنها تعد من أهم وسائل النقل البحري الذي يسيطر على الجانب أو الشقِّ الأكبر من التجارة العالمية الكبرى، ونتيجة لذلك حرصت الدول المختلفة على الاهتمام بالتشريعات التي تنظّم التجارة البحرية أو ما يطلق عليها بالملاحة البحرية؛ ولما كانت التجارة البحرية تثير مشاكل عديدة شأن أي تعامل بشري، فإنها أمست في حاجة إلى تنظيم قانوني يحكم العلائق الناشئة عنها ، فصدر النظام البحري التجاري بموجب المرسوم الملكي رقم (م/٣٣) وتاريخ 5 /4 /1440هـ، ويتضمن عشرة أبواب تحتوي على (٣٩١) ماده تتناول كافة الجوانب القانونية للتجارة البحرية.
وإذا كان المجتمع الدولي قد أحرز تقدمًا كبيرًا في تنسيق القواعد المتعلقة بحجز السفن ، فإنه قد حقق أيضًا تقدمًا ملحوظًا في إرساء القواعد الموحدة فيما يتعلق بآثار البيع القضائي للسفن ،وذلك من خلال اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة (لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ) في 7 ديسمبر 2022 لاتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالآثار الدولية للبيع القضائي للسفن (2)،والمعروفة أيضًا “باتفاقية بيجين بشأن البيع القضائي للسفن ” ، وكانت المملكة العربية السعودية من أولى الدول التي بادرت بالتوقيع والانضمام إلي هذه الاتفاقية بتاريخ 5/9/2022 (3) .
ويأتي انضمامها لهذه الاتفاقية في إطار حرصها الدائم على مواكبة التقدم التشريعي الدولي، خاصة وأن الاتفاقية تشتمل على مجموعة حديثة من القواعد الموحدة التي تتعلق بآثار البيع القضائي للسفن التي من شأنها إزالة العقبات و تعزيز تنمية التجارة الدولية ، وهى تتسق مع أهداف رؤية المملكة 2030 .
فهدف الاتفاقية هو إرساء نظامًا منسقًا لمنح البيوع القضائية أثرًا دوليًا ، دون المساس بالقانون الداخلي الذي يحكم إجراءات البيع القضائي ، والظروف التي من شأنها أن يتولد عن البيع القضائي فيها حق ملكية خالصًا ، كما تهدف أيضاً إلى تأكيد حق الملكية الذي يكتسبه المشتري للسفينة أثناء ملاحتها دوليًا ، ومن ثم تؤدي إلى تعظيم سعرها في السوق، بما يعود بالنفع على مالكي السفن والدائنين ، ومن ثم تؤدي إلى تعزيز تنمية التجارة الدولية (4) .
ولبيان ذلك، فإننا نتساءل عن أهم مصطلحات الاتفاقية؟ ثم ما هو مجال تطبيق الاتفاقية؟ وما هي ماهية الاشعار بالبيع القضائي ومتطلباته؟ وكذا شهادة البيع القضائي والغرض منها وشروطها وإجراءاتها؟ وماذا عن الآثار الدولية للبيع القضائي؟ وأخير كيف نحدد الاختصاص بإبطال البيع القضائي؟
أولاً: التعاريف الخاصة ببعض مصطلحات الاتفاقية :
تناولت المادة الثانية من الاتفاقية التعريف ببعض المصطلحات الرئيسية المستخدمة فيها ، فبدأت بتعريف مصطلح البيع القضائي للسفينة وقسمت التعريف إلى قسمين:
- فعرفت البيع القضائي: “بأنه أي عملية بيع لسفينة تأمر بها وتقرها أو تؤكدها محكمة أو سلطة عمومية أخرى عن طريق مزاد علني أو باتفاق خاص يتم تحت إشراف محكمة أو بموافقتها، ويتاح فيها عائدات البيع للدائنين.”
ويتميز هذا التعريف بأن البيع القضائي يتم وفق إجراءات تختلف من نظام قانوني لآخر، وبمشاركة محكمة، كما أنه يؤكد على أن البيع القضائي هو في الأساس أداة لتدعيم إنفاذ الحقوق الخاصة (5). - وعرفت السفينة بأنها: “تعني أي سفينة أو مركبة أخرى مسجلة في سجل متاح لاطلاع الجمهور، قد تكون خاضعة للحجز أو لتدبير مماثل يمكن أن يفضي إلى بيع قضائي بموجب قانون دولة البيع القضائي.”
ويُلاحظ أن تعريف السفينة بهذه المثابة جاء موسعًا، فهو لا يقتصر على السفن البحرية فقط، بل يشمل السفن الداخلية، كما لا يقتصر على سفن الملاحة التجارية، بل يشمل مراكب التنزه. ويكفي القاضي أن تكون السفينة “مسجلة” وأن يكون السجل “متاحًا لاطلاع الجمهور (6).” - كما عرّفت حق الملكية الخالص بأنه: “حق الملكية متحللًا وخاليًا من أي رهن أو رهن غير حيازي ومن أي التزام.”
- كما عرّفت الرهن أو الرهن غير الحيازي بأنه: “أي رهن أو رهن غير حيازي واقع على السفينة ومسجل في الدولة التي تكون السفينة مسجلة في سجل السفن لديها أو في سجل مماثل.”
- وأشارت إلى الالتزام بأنه: “يعني أي حق، أيا كانت ماهيته وكيفية نشأته، يمكن المطالبة به تجاه السفينة، سواء عن طريق الحجز أو الحجز التحفظي أو غير ذلك، وهو يشمل الامتياز البحري والامتياز غير البحري والقيد العيني وحق الانتفاع وحق الاحتفاظ بالحيازة، ولكن لا يشمل الرهن أو الرهن غير الحيازي.”
- كما عرّفت “الالتزام المسجل”: بأنه أي التزام مسجل في سجل السفن أو سجل مماثل تكون السفينة مسجلة فيه، أو أي سجل آخر تسجل فيه الرهون أو الرهون غير الحيازية.
- وعرّفت “الامتياز البحري”: بأنه أي التزام معترف به على أنه امتياز بحري على سفينة بموجب القانون المنطبق.
- وكذلك عرّفت “مالك السفينة”: بأنه أي شخص مسجل بوصفه مالك السفينة في سجل السفن أو سجل مماثل تكون السفينة مسجلة فيه.
- وأيضًا عرّفت “المشتري”: بأنه أي شخص تُباع له السفينة من خلال البيع القضائي.
- وعرّفت المشتري اللاحق بأنه: “الشخص الذي يشتري السفينة من المشتري المذكور في شهادة البيع القضائي المشار إليها في المادة (7).
- كما عرّفت “دولة البيع القضائي”: بأنها الدولة التي يُجرى فيها البيع القضائي للسفينة.
ثانياً: مجال تطبيق الاتفاقية:
بداية فإن الاتفاقية لا تعني إلا بآثار البيع القضائي ومن ثم فهي لا تتعلق بسير عملية البيع القضائي نفسها ، كما لا تتعلق بآثار الأحكام القضائية الصادرة في البيع القضائي(7) .
ويتحدد مجال تطبيق الاتفاقية بنطاق جغرافي يتمثل في كون الاتفاقية نظاما “مغلقا” لا ينطبق إلا بين الدول الأطراف(8) ، ولا يعتبر البيع القضائي للسفينة خارج نطاق الانطباق لمجرد أن السفينة مسجلة في دولة ليست طرفا في الاتفاقية، وإنما يكون للبيع القضائي أثر طالما قدمت شهادة بالبيع القضائي وفقاً للمادة 5 من الاتفاقية ، وإلا انتقص من الحماية التي يمكن أن توفرها الاتفاقية للبيع (9).
كما يتحدد نطاق تطبيقها أيضا بتطلب وجود السفينة المادي داخل إقليم دولة البيع القضائي وقت البيع(10).
فالبيع القضائي من ناحية الممارسة العملية يسبقه عادة حجز السفينة الذي لا يمكن أن يحدث إلا في إقليم الدولة التي يؤذن فيها قضائياً بالحجز ، ولا ينطبق هذا المتطلب (الوجود المادي ) إلا وقت البيع ، والغرض من متطلب الوجود المادي هو ضمان وجود رابط اختصاصي بين المحكمة التي جرى البيع القضائي تحت سلطتها والسفينة(11) .
وقد استبعدت الاتفاقية من نطاق تطبيقها السفن الحربية أو القطع البحرية المساعدة و كذلك السفن الأخرى التي تملكها أو تشغلها دولة وتكون مستخدمة، فورا قبل وقت البيع القضائي، في الخدمة الحكومية غير التجارية دون غيرها(12).
ثالثاً: الاشعار بالبيع القضائي ومتطلباته:
لا شك أن إشعار البيع القضائي له أهمية تتجلى ؛ في أن شهادة البيع القضائي لا تصدر إلا إذا وجه الإشعار بالبيع القضائي للجهات التي نصت عليها الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من هذه الاتفاقية والتي تتمثل في هيئة سجل السفن ، جميع حائزي الرهن والرهن غير الحيازي و أي التزام مسجل، جميع حائزي أي امتياز بحري ، مالك السفينة ،..إلخ ، على أن يتم توجيه الإشعار بالبيع القضائي وفقا لقانون دولة البيع القضائي متضمناً المعلومات الواردة بالمرفق الأول(13) ، وعلى النحو المبين في المادة 4 من الاتفاقية .
رابعاً: شهادة البيع القضائي :
شهادة البيع القضائي لها دور محوري في إعمال نظام الاتفاقية، فهي تحقق غرضين أساسيين :
تضمن الشهادة الآثار الدولية للبيع القضائي من حيث:
(أ) :إصدارها يؤدي إلى تفعيل الأثر الأساسي المتعلق بمنح مشتري السفينة حق ملكية خالصًا.
(ب): و تقديمها يؤدي مباشرة إلى جعل هيئة السجل أو السلطة المختصة بالدولة الطرف أن تقوم بالتالي:
- أن تشطب من السجل أي رهن أو رهن غير حيازي وأي التزام مسجل ُ مقرر على السفينة كان قد سجل قبل إتمام البيع القضائي.
- أن تشطب السفينة من السجل وتصدر شهادة بشطب التسجيل لغرض التسجيل الجديد.
- أن تسجل السفينة باسم المشتري أو المشتري اللاحق بشرط آخر هو استيفاء السفينة والشخص الذي ستسجل السفينة باسمه متطلبات قانون دولة التسجيل.
- أن تستكمل بيانات السجل بإدراج أي تفاصيل أخرى ذات صلة ترد في شهادة البيع القضائي.
هذا وتتناول المادة الخامسة من ذات الاتفاقية كيفية إصدار الشهادة وشكلها ومحتواها وقيمتها القانونية في الأثبات وشروط إصدارها والتي تتمثل في التالي :ـ
- أن يكون البيع القضائي قد تم .
- أن يكون البيع القضائي منح حق ملكية خالصًا للسفينة بموجب قانون دولة البيع القضائي .
- أن يكون البيع أجري وفقاً لمتطلبات قانون دولة البيع القضائي .
- أن يكون البيع أجري وفقاً لمتطلبات الاتفاقية .
خامساً: الآثار الدولية للبيع القضائي :
يترتب على البيع القضائي أثرًا أساسيًا يتمثل في أن للبيع القضائي، يُمنح بموجبه المشتري حق ملكية خالصًا، ويكون له الأثر نفسه في سائر الدول الأطراف .ولا يقتضي إنفاذها اتخاذ أي إجراء خاص لإنفاذ البيع مثل الحصول على تأكيد من المحكمة المختصة في الدولة المراد إحداث أثر فيها ، فالبيع القضائي ينتج آثاره تلقائيا .
ولتحقيق الأثر سالف الذكر تقوم هيئة السجل أو السلطة المختصة بالدولة الطرف بالتالي: ـ 1-بشطب أي رهن أو رهن غير حيازي وأي التزام مسجل ُ مقرر على السفينة كان قد سجل قبل إتمام البيع القضائي من السجل. أن تشطب السفينة من السجل وتصدر شهادة بشطب التسجيل لغرض التسجيل الجديد. (3) أن تسجل السفينة باسم المشتري أو المشتري اللاحق بشرط آخر هو استيفاء السفينة والشخص الذي ستسجل السفينة باسمه متطلبات قانون دولة التسجيل. أن تستكمل بيانات السجل بإدراج أي تفاصيل أخرى ذات صلة ترد في شهادة البيع القضائي.
ومن الآثار التي تترتب على البيع القضائي لا يجوز حجز السفينة على خلفية مطالبة بحرية إلا إذا كان الشخص الذي يملك السفينة وقت الحجز هو الشخص الذي كان يملكها وقت نشوء المطالبة، ما لم تكن المطالبة البحرية مضمونة بامتياز بحري أو تستند إلى رهن أو رهن غير حيازي أو التزام ذي طبيعة مماثلة. وفي حال كان البيع القضائي الذي يخول المشتري حق ملكية السفينة فحسب، بل يخوله إياه متحللاً وخاليًا من أي رهون أو رهون غير حيازية أو التزامات )بما في ذلك الامتيازات البحرية والالتزامات المسجلة(يترتب على ذلك أنه لا ينبغي أن تخضع السفينة للحجز بسبب أي مطالبة بحرية أو امتياز بحري نشأ قبل البيع القضائي. وتفعل الفقرتان (1 و2) من المادة (8) هذا المبدأ.
هذا فضلاً عن أنه إذا حجزت سفينة أو اتخذ تدبير مماثل ضدها بأمر صادر عن محكمة أو سلطة قضائية أخرى في دولة طرف بناء على مطالبة نشأت قبل بيع قضائي للسفينة، أمرت المحكمة أو السلطة القضائية الأخر برفع الحجز عن السفينة في حال قُدمت إليها شهادة البيع القضائي المشار إليها في المادة.
المصدر: مساعد سعود الرشيدي



