
رائحة الكُره
محمود عبدالراضي
الكُره لا يحتاج إلى إعلان، لا يأتي في جملة صريحة، ولا يُقال بصوت مرتفع، أحيانًا، يكفي أن تمر بجوار من يكرهك، لتشمّ شيئًا غريبًا في الهواء، نبرة صوته تخون سلامه، عينه لا تعرف كيف تنظر إليك إلا هاربة أو لامعة بما لا يُقال، والضحكة التي يظن أنها تُخفي ما في قلبه، تُفصح أكثر مما تُجيد الإخفاء.
هناك حضن لا يدفئ، وكلمات حلوة تخدش القلب بدلاً من أن تداويه، تضحك معه، لكنك في أعماقك تشعر وكأنك تتجرع شيئًا مرًا، وتسمعه يقول لك “حبيبي”، فتتساءل بينك وبين نفسك: لماذا شعرت بأنها صفعة لا تحية؟
الكُره أحيانًا يرتدي بدلة الطيبة، يتعطر بكلمات منمقة، يُصافحك بحرارة، ويسألك عن أحوالك كأنك غالٍ على قلبه، لكنه، كالعطر المرشوش فوق قمامة، تبدو رائحته جميلة من بعيد، حتى تقترب قليلاً، فينقلب المشهد وتظهر الحقيقة كما هي بلا زينة، ولا رتوش.
المشاعر، رغم كل محاولات التجميل، لا تجيد التمثيل طويلًا، الحب يفضح نفسه في التفاصيل الصغيرة، في اللهفة، في الحرص، في الغياب الذي يوجع، والكُره أيضًا يفضح نفسه في المزاح الثقيل، في السؤال المجامل، في “الاهتمام” الذي يشبه الاستهزاء، من يكرهك لن يستطيع أن يُخفي كراهيته طويلاً، حتى لو زعم العكس، فوجهه يتكلم عندما يصمت لسانه.
احذر بعض من يفرطون في الطيبة معك وهو ألد الخصام، أحيانًا، يكون الإفراط في اللين إشارة على شيء خفي، قد لا يجرؤ على إظهار كراهيته، فيصبّها في كأس عسل، وأنت تبتلعها وأنت تبتسم حتى تشعر بالمرارة في آخر الرشفة.
القلب لا يُخدع طويلاً، قد يقبل التبرير مرة واثنتين، لكن شعورك الأول لا يكذب، ذلك الانقباض الصغير حين تقابله، الرهبة التي لا تعرف لها سببًا، عدم الارتياح الذي لا تفسير له، كل ذلك ليس وهمًا، بل هو حدسك ينبهك: هناك شيء غير نقي يُحاول أن يبدو بريئًا.
المشاعر لا تُزيف، قد نُجيد التمثيل لبعض الوقت، لكن الحقيقة لا تلبث أن تطفو، الكاره سيخطئ التقدير، سيبالغ في المجاملة، أو يُسرف في الحذر، أو يتصنع الاهتمام، وفي كل مرة ستخرج منه إشارة لن يراها هو، لكنك ستشعر بها، وستعرف.
الكُره لا يحتاج إلى كلمة، يكفي فقط أن تُنصت جيدًا فكل شيء فيه له رائحة.
المصدر: اليوم السابع
اقرأ أيضًا: ما لا يعرفه الموظف ويريده صاحب العمل