كُتاب الترند العربي

طرق متهالكة.. وإنسانية ضائعة

طرق متهالكة.. وإنسانية ضائعة

علاء خليف

في لحظة واحدة، تحولت أحلام 18 زهرة من بنات المنوفية إلى مشاهد وداع موجعة على الطريق الإقليمي، الطريق الذي صار شاهدًا صامتًا على المأساة، بل شريكًا فيها. لم تكن الحادثة مجرد تصادم مروع بين مركبة وأخرى، بل كانت كشفًا قاسيًا لطرق متهالكة تسير عليها الحياة في بلادنا، ليس فقط طرقًا من حجر وأسفلت، بل طرقًا من فساد وإهمال وتخاذل وضياع ضمير.

الطريق الإقليمي الذي ابتلع أرواحًا شابة كانت تحلم بلقمة عيش كريمة، لم يكن مؤهلاً لأن يُسلك. صيانة متكررة لا تنتهي، غياب الفواصل الخرسانية، انعدام الإشارات الإرشادية، وإهمال قاتل في تأمينه. ورغم صرخات التحذير، لم يتحرك أحد لإنقاذ من يسير عليه، حتى جاءت الفاجعة لتُسكت الجميع، ولكن بعد أن فُقدت الأرواح.

ليست الطرق الإسفلتية وحدها ما يُزهق الأرواح. هناك طرق من بشر باعوا ضمائرهم على أرصفة المناصب، وهناك طرق من سائقين اعتادوا العبث بالأرواح، يقودون بلا رخص وبعقول مخدّرة، يقطعون المسافات وكأنهم يقودون عربات شبح، لا يعبأون بمن حولهم ولا بمن خلفهم ينتظرون عودتهم.

في لحظات الحزن، تبرز بعض الوجوه التي تنكأ الجراح بدل أن تُضمّدها، تهاجم الفتيات وأهلهن وتخوض في أعراضهن. أي قسوة هذه؟ وأي إنسانية فُقدت في لحظة؟ الفتيات لم يكنّ في نزهة، بل في رحلة عمل شريفة لكسب لقمة عيش تحفظ كرامتهن. رحلن بقلوب مملوءة بالأمل، وواجهن مجتمعًا يعاقبهن على الكفاح بدل أن يفتخر بهن.

أما أرباب العمل، فهم وجه آخر للطرق المتهالكة، أولئك الذين لم يروا في الفتيات إلا أرقامًا تُكدّس داخل سيارة تتجاوز حمولتها أضعافًا، لا تأمين، لا احترام، لا حد أدنى من المسؤولية. كل ما كان يهمهم هو التوفير وتقليل النفقات، حتى وإن كان الثمن أرواحًا طاهرة.

ما حدث على الطريق الإقليمي ليس حادثًا عابرًا، بل جرس إنذار مدوٍ، علينا أن نُعيد النظر في كل طرقنا المتهالكة: في البنية التحتية، في ضمائر المسئولين، في قوانين المرور، في ثقافة المجتمع، وفي عدالة الفرص.

قبل أن نخسر المزيد من الأرواح، علينا أن نُصلح ما تهدّم فينا.. لا ما تهدّم تحتنا فقط، لأن الطريق إلى الحياة الكريمة لا يبدأ من رصيف آمن فقط، بل من وطن يُقدّر أبناءه ويصون كرامتهم، أحياءً وأمواتًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى