كُتاب الترند العربي

اصنع من العادي مجدًا.. ولا تنتظر المعجزة

محمود عبدالراضي

لا تنتظر أن يطرق الحظ بابك على هيئة حدثٍ استثنائي، أو أن تأتيك الحياة على طبق من ذهبٍ مرصّع بالفرص النادرة، لا تنتظر أن تفتح لك السماء نوافذها دفعة واحدة، أو أن تأتي لحظة الانقلاب الكبرى التي تقلب قدرك رأسًا على عقب، فالحقيقة التي لا نحب سماعها، لكنها وحدها الحقيقة: الحياة لا تمنح كثيرين تلك “الفرصة غير العادية”، لكنها تمنح الجميع فرصًا عادية، بلمعة خفية، وقيمة تنتظر من يراها.

الفرصة العظيمة لا تطرق بابك، بل قد تمرّ أمامك كل يوم بثوب بسيط، لا يلمع ولا يلفت، لكنك إن تأملتها بعيون الطموح، وأمسكت بها بعزيمة لا تعرف الهزل، صنعت منها شيئًا يستحق الذكرى.

الفرصة ليست مهرجانًا، بل لحظة صمتٍ في مكتبٍ ضيق، أو فكرة عابرة على الرصيف، أو مهمة بسيطة لم يأبه بها أحد، لكنها بلمستك، قد تصبح قصة نجاح تُروى.

لا تنتظر أن تكون الظروف مثالية، لأن الظروف لا تتجمّل إلا حين تنجح، الفقر لا يمنع الإنجاز، ولا ضيق الحال عذرًا للتقاعس.

من صلصال الواقع القاسي، نحت الكثيرون تماثيل المجد، والمجد لا يولد من ذهب، بل من عرق، من ندم تحوّل إلى وقود، ومن فرصة بدت تافهة لكنها في يد ذكيٍّ أصبحت ذهبًا.

البعض ينتظر “اللحظة”، تلك التي تشبه أفلام السينما حين يتوقف الزمن ويبدأ البطل في التألق، لكن في الحياة الحقيقية، اللحظة لا تُعلن عن نفسها، بل تمرّ خجولة، عادية، وربما مملّة، لكنها في طيّاتها بذرة التحوّل.

المبدع لا يصنع الفرق لأنه امتلك فرصة عظيمة، بل لأنه قرر أن يجعل من الفرصة الصغيرة شيئًا عظيمًا، قرأ ما بين السطور، سمع ما لم يُقال، وفعل ما لم يتجرأ غيره على فعله.

فلا تركن في محطة الانتظار، الحياة ليست قطارًا يصل في موعده المحدد، بل دراجة قديمة تحتاج أن تدفعها أنت، بقوة ساقيك، حتى تصعد التل وتصل إلى قمة ليست مرئية بعد.

ابدأ من حيث أنت، بما تملك، وبما تعرف، لا تستخف بخطوة صغيرة، فالمسافة بين “الحلم” و”الواقع” تُقاس بخطوات لا ضجيج فيها، ولا تصفيق.

اصنع من كل لحظة عادية حدثًا لا يُنسى، ومن كل فرصة باهتة بابًا إلى النور، فالحياة لا تمنح العظماء فرصًا استثنائية، بل هم من يجعلون من كل فرصة، استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى