الجيوب الأنفية.. الرفيق المزعج

عمر غازي
لا شيء يبدو خطيرًا حين تبدأ الحكاية باحتقان بسيط في الأنف، صداع خفيف، أو شعور غامض بثقل خلف العينين، لكن تحت هذه الأعراض المألوفة قد تكمن معاناة لا يُقدّرها إلا من عاشها، فالجيوب الأنفية ليست مجرد تجويفات عظمية في الرأس، بل لغز طبي يربك الأطباء أحيانًا، ويتلاعب بجودة حياة ملايين البشر بصمتٍ خادع، كقاتل يبتسم بينما يخنق ضحيته ببطء كل يوما ويتركها عندما تشارف على الهلاك.
بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية عام 2022، يُعاني أكثر من 12% من سكان العالم من التهاب الجيوب الأنفية المزمن، وهو رقم يبدو بسيطًا على الورق، لكنه يعني ملايين البشر الذين يستيقظون كل يوم مع صداع ضاغط، أو يذهبون إلى أعمالهم بأجسام ثقيلة وأنوف مسدودة، وقد يستمرون في تناول أدوية خاطئة ظنًا منهم أن ما يُصيبهم مجرد نزلة برد موسمية.
المعضلة أن كثيرًا من الناس يعتادون الألم، فيظنونه طبيعيًا، تمامًا كما يفترض البعض أن الكسل أو عدم التركيز ناتج عن ضغوط الحياة، بينما الحقيقة أن التهاب الجيوب الأنفية قد يكون السبب، فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2020 أن المصابين بهذا الالتهاب المزمن يُظهرون تراجعًا في الأداء العقلي والمعرفي بنسبة تصل إلى 30% في فترات النوبات الحادة، مما يعني أن آلام الرأس والضغط ليست أعراضًا جانبية، بل عائقًا حقيقيًا للحياة اليومية.
ولا يتوقف الأمر عند الصداع وسيلان الأنف، بل يمتد إلى الاكتئاب، حيث ربطت دراسة نُشرت في مجلة JAMA Otolaryngology بين الجيوب الأنفية والاكتئاب، وخلصت إلى أن المرضى الذين يعانون من التهابات مزمنة لديهم معدلات أعلى من القلق النفسي واضطرابات النوم، مما يجعل هذا المرض أكثر من مجرد “رشح مزمن”، بل حالة صحية ونفسية متكاملة تستحق الاعتراف بها.
وفي بعض الحالات النادرة، يمكن أن يتطور التهاب الجيوب الأنفية المهمل إلى مضاعفات خطيرة كخراجات في المخ أو فقدان البصر، وهو ما يؤكد أن تجاهل “الألم البسيط” قد يفتح الباب لنتائج غير متوقعة.
الجيوب الأنفية لا تقتلك، لكنها تسلب منك راحة يومك، وهدوء نومك، وصفاء تركيزك، وجودة حياتك، فتكون أشبه بميت على قيد الحياة.
لكن السؤال المحير لمثل من هم في معاناتي الدائمة: لماذا لا يحظى هذا المرض بالاهتمام الكافي؟ ربما لأن ألمه لا يُسمع، أو لا يرى بالعين المجردة، أو لأننا ببساطة نتعامل مع المرض بخطورته على المدى القصير لا على المدى الطويل.