
الإعلام العربى والذكاء الاصطناعى: رؤى وتحديات.. دراسة تحليلية
الإعلام العربى والذكاء الاصطناعى: رؤى وتحديات.. دراسة تحليلية
حنان يوسف
فرضت الثورة الهائلة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى نفسها على واقع ومستقبل الإعلام الرقمى، حيث نشهد كيفية تطور تقنيات الذكاء الاصطناعى وكيفية تأثيرها على صناعة الإعلام. وكذلك ما يرتبط بها من الفوائد والتحديات التى يواجهها العاملون فى مجال الإعلام بسبب استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى. حيث إن تكنولوجيا المعلومات تساهم فى تشكيل بيئة رقمية جديدة، مما يؤدى إلى ظهور مفاهيم وقيم جديدة فى الإعلام. فى ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، مما يعتبر استخدام الذكاء الاصطناعى فى صناعة الإعلام من التطورات المهمة التى تسهم فى تحسين جودة المحتوى وتبسيط العمليات الإنتاجية. إلا أن هذه التقنيات تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات العامة واندماج الإعلام الإبداعى.
فقد نلاحظ أن العديد من وكالات الأنباء العالمية بدأت فى استخدام الذكاء الاصطناعى فى أعمال تحليل الأرقام والبيانات وإصدار تقارير سياسية واقتصادية، كما أن العديد من المهتمين بشأن المحتوى شرعوا فى استخدامه بالفعل لمساعدتهم فى مجال صناعة المحتوى الرقمى.
لكن معه ينبغى النظر إلى أهمية التمسك بأخلاقيات المهنة ومواجهة التحديات التى قد تنتج على استخدام الذكاء الاصطناعى مثل قضايا الأخبار غير الحقيقية واقتحام الخصوصية.
وضرورة تأهيل الإعلاميين لما هو قادم فى مجال الرقمنة والذكاء الاصناعى، كل فى مجاله من خلال دورات تدريبية وورش عمل وبصفة خاصة الشباب منهم، لأنهم هم الشريحة الأكبر فى استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى؛ حيث تفرض المواطنة الرقمية نفسها فى سوق العمل.
فالرقمنة التى خلفها الذكاء الاصطناعى فى الإعلام أصبحت جزءا من الحياة اليومية؛ كما أنه لم تعد استخداماتها قاصرة فقط على مجالات الإعلام أو التعليم أو الثقافة؛ بل توغلت فى مجالات عديدة من بينها وعلى رأسها مجال الإعلام الرقمى والذى يعد من أهم الوسائط الإعلامية التى يعتمد عليه الأطفال والشباب لتبادل المعرفة والرأى وتكوين الوعى؛ لذلك يجب على واضعى السياسات الإعلامية المصرية توفير البنية التحتية التى تتيح تفعيل العديد من المنصات والمواقع الآمنة معلوماتيا وأخلاقيا لاحتواء الطلب المتزايد من الأطفال والشباب على هذه النوعية من المنصات الاعلامية؛ مع أهمية التدريب على التعامل الأمثل مع أدوات الذكاء الاصطناعى واحترافية لغة الروبوت والتى ستصبح اللغة الأهم عالميا فى المستقبل القريب.
ففى ظل التحولات الرقمية السريعة التى يشهدها العالم، تبرز أهمية تمكين الإعلاميين وتزويدهم بالمهارات اللازمة لمواكبة هذه التطورات، تلعب المؤسسات الجامعية ومؤسسات التدريب دورًا حيويًا فى ذلك للتعامل مع التحديات والفرص التى تطرحها التكنولوجيا الحديثة، وخاصة فى مجال الإعلام، والذكاء الاصطناعى من خلال تطوير المناهج الدراسية، وتشجيع البحث العلمى، وتوفير التدريب العملى، ويمكن لهذه المؤسسات أن تسهم بشكل كبير فى تعزيز قدرات الإعلاميين على التكيف مع المشهد الرقمى، حيث غن الإعلام الجديد لم يعد يقتصر على الوسائل التقليدية مثل الصحف والتليفزيون، بل أصبح يشمل وسائل الإعلام الرقمية والسوشيال ميديا، التى تلعب دورًا كبيرًا فى تشكيل الرأى العام وتوجيهه. مع ضرورة تطوير سياسات واضحة للتعامل مع التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعى فى الإعلام، مثل قضايا الخصوصية والتحيز فى الخوارزميات.
فى عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
كذلك يأتى أهمية إدراج التربية الإعلامية فى مناهج التعليم العربى، مما يسهم فى تعزيز الوعى الإعلامي، وتمكينهم من تطوير التفكير النقدى للتعامل الإيجابى مع التأثيرات والمحتويات الإعلامية المنتشرة فى الفضاء الرقمى، حيث إن التربية الإعلامية تعد أداة أساسية لمواجهة التحديات التى تفرضها وسائل الإعلام الحديثة، بما فى ذلك مكافحة الأخبار الزائفة وتعزيز القيم الأخلاقية والمجتمعية، وعلى ضرورة تزويد الشباب بالمهارات اللازمة لفهم وتحليل المحتوى الإعلامى بشكل نقدى، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة والتفاعل بفعالية مع العالم الرقمى.
وضرورة تكاتف الجهود بين المؤسسات التعليمية والإعلامية فى العالم العربى لتحقيق هذه الأهداف، فتمكين الإعلاميين والمواطن الرقمى من خلال التربية الإعلامية هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع واعٍ ومثقف قادر على مواجهة تحديات العصر الرقمى.
مع اعتبار دور الذكاء الاصطناعى فى تحسين الكتابة والتحليل بدلاً من مجرد البحث عن البيانات. واستخدام نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعى لكتابة التقارير الاقتصادية عن النتائج المالية للشركات، حيث يقوم النظام بتحليل البيانات المالية وإصدار تقارير دقيقة فى غضون ثوانٍ، ومناقشة التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعى فى الإعلام، مثل قضايا الخصوصية، والتحيز فى الخوارزميات، وتأثير الأخبار الزائفة. و أهمية تطوير المؤسسات الإعلامية لسياسات واضحة للتعامل مع هذه التحديات.
وتفتح تقنيات الذكاء الاصطناعى الباب واسعاً فى القطاعات كافة -ومنها الإعلام- لإطلاق طاقات إبداعية كبرى، وتجديد وسائل الإنتاج، وتطوير الخدمات الإخبارية، وتقديم محتوىً أكثر تلبيةً لاحتياجات الناس والجمهور. إن الذكاء الاصطناعى التوليدي، منح الإعلاميين فرصاً كبيرةً للاستفادة من أدوات تُتيحها تطبيقاته، خاصة فى إنتاج محتوى مكتنز ببيانات دقيقة تواكِب آخر المستجدات فى مدَّة قصيرة، ما يجعل المحتوى ثريّاً وقادراً على تقديم منتجات تُشبِع نهَم الجمهور إلى المعرفة، وتُعزز ارتباطه بالمنصة الإعلامية، ذلك أنالذكاء الاصطناعى أصبح الآن قادراً على إنشاء محتوى بتقنيات توليد اللغة الطبيعية، واختيار الصور، وإنتاجها، فضلاً عن تأليف المقاطع الموسيقية.
ويتيح توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى، والإبداع البشرى، معاً إنتاج محتوىً إعلامى دقيق وعميق أيضاً، وتعزيز مصداقية المؤسسة الإعلامية بتمكينها من استبعاد «الأخبار المزيفة»، وتفعيل قدرة الإعلاميين على التحقق من مصدر الخبر، وضمان دقته. وتستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعى، فى وسائل الإعلام الآن، بصفتها أداةً لتخفيف المهام الشاقة والروتينية التى تستهلك وقتاً طويلاً من الصحفيين، كما أنها تتيح لهم المزيد من الوقت للعمل بكفاءة أكبر، ولا سيَّما على صعيد التواصل الميدانى مع الجمهور، ومصادر الأخبار، وقراءة المشهد الاجتماعى بعمق.
وقد بدأ الذكاء الاصطناعى أخيراً بأتمتة المهام الإعلامية، والآن يوجد «مذيع آلى»، و«مقدم برامج آلى» قادر على مخاطبة الجمهور بكل لغات العالم، وبأى لهجة، كما يمكن إنتاج مقالات بتطبيقات الذكاء الاصطناعى التوليدى من دون أى تدخل بشرى، ما يعنى أيضاً تمكين الإعلاميين من التركيز على المهام ذات المستوى الأهم، وتطوير المحتوى الإبداعى، والتفكير فى منتجات جديدة تواكب الطفرة التقنية المتسارعة، وفى الوقت نفسه تلبى احتياجات الأجيال الصاعدة. وكذلك استطاع الذكاء الاصطناعى تعزيز القدرات التسويقية لدى المؤسسات الإعلامية عن طريق تجميع أفضل المَشاهد لمسلسلٍ ما يُبَث فى موسم درامى معين، أو ترويج منصة رقمية، أو مطبوعة، أو برنامج إذاعي، أو تليفزيونى ما، باختيار أفضل المقاطع وأكثرها جودةً، ومن ثَم تقديم محتوًى إعلانى ترويجى متميز بسرعة فائقة، ويحظى فى الوقت نفسه بجاذبية لدى الجمهور. ولا شك فى أن تطوير الخدمات الإعلامية يتطلب رصد التغذية الراجعة (Feedback) من الجمهور، وهذا ما تبرع فيه تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى عبر تحليل بيانات الجمهور، والتنبؤ بتفضيلاته، وتمكين المؤسسات الإعلامية من إنشاء محتوًى يناسبه.
وتتيح تقنيات الذكاء الاصطناعى تحليل نشاط الوسائط الاجتماعية، أو منصات «السوشيال ميديا»، وتحديد الموضوعات، أو الكلمات، الرئيسية الشائعة الممكن دمجها فى المحتوى، لزيادة عدد المشاهدات، ومضاعفة عدد مَن يشاركون فى القصص الإخبارية.
وبالمثل يمنح الذكاء الاصطناعى منشئى المحتوى القدرة على فَهْم مشاعر الجمهور المستهدف وآرائه، ما يسمح بإنتاج محتوًى مناسب يحظى بتفاعل كبير. إذن أصبح لدى المؤسسات الإعلامية -الآن- مهمة مزدوجة تكمُن فى الاستفادة القصوى من قدرات الذكاء الاصطناعى، وتعريف الجمهور بمستجداته، وأهميته فى تحسين جودة الحياة، فضلاً عن السعى المتواصل إلى تقنينه وحوكمته لضمان عدم إساءة استخدامه.
وهناك أهمية ” لدور” الذكاء الاصطناعى فى تحسين الكتابة والتحليل بدلاً من مجرد البحث عن البيانات. واستخدام نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعى لكتابة التقارير الاقتصادية عن النتائج المالية للشركات، حيث يقوم النظام بتحليل البيانات المالية وإصدار تقارير دقيقة فى غضون ثوانٍ.وتخصيص المحتوى كأحد أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعى فى الإعلام، حيث تستخدم المنصات الإعلامية الذكاء الاصطناعى لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم محتوى يتناسب مع اهتماماتهم، مما يعزز تجربة المستخدم. إلا أن هناك العديد من التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعى فى الإعلام، مثل قضايا الخصوصية، والتحيز فى الخوارزميات، وتأثير الأخبار الزائفة. وهو ما يدعو الى أهمية تطوير المؤسسات الإعلامية لسياسات واضحة للتعامل مع هذه التحديات.
من أبرز التحديات التى يجب مراعاتها عند توظيف الذكاء الاصطناعى فى المجال الصحفى، الاهتمام بدقة المعلومات، حيث يمكن أن تؤدى الأخطاء فى الخوارزميات إلى نشر معلومات مغلوطة أو غير دقيقة، مما يهدد مصداقية الصحافة. لذلك، فمن الضرورى وجود آليات تدقيق صارمة للتأكد من صحة الأخبار والمعلومات المنتجة باستخدام هذه التقنية.
هناك أيضا تحديات مرتبطة بالمصداقية، فإذا تم الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى جمع الأخبار دون التأكد من السياق الكامل للأحداث أو تنوع الآراء، فقد يؤدى ذلك إلى تعزيز الانحياز أو التضليل الإعلامي. لذا فإنه من المهم ضمان عدم مساهمة الذكاء الاصطناعى فى نشر محتوى منحاز أو مبتور السياق.
وكل ما سبق تتولد معه ضرورة دعوة وزراء الإعلام العرب لتبنى مفهوم المواطنة الرقمية فى جميع مجالات الإعلام العربى والعمل على تصميم حملات إعلامية لزيادة الوعى بالمواطنة الرقمية والإستفادة من الثورة الرقمية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى فى المؤسسات الإعلامية العربية وأهمية تمكين الشباب الإعلامى فى عصر الذكاء الاصطناعي، وتعزيز دور الشباب فى الإعلام الرقمى والمواطنة الرقمية.
كذلك، يبقى التوازن بين الذكاء الاصطناعى والعنصر البشرى من التحديات الأساسية، حيث يجب أن يتم توظيف الذكاء الاصطناعى كأداة مساعدة دون أن يحل محل الإعلاميين فى عملية اتخاذ القرارات وتقديم التحليل العميق، فلا يمكن الاستغناء عن دور الصحفيين فى ضمان الجودة والنزاهة الصحفية، إن التوسع فى استخدام الذكاء الاصطناعى قد يؤثر على الوظائف الصحفية التقليدية، مما يثير قلقًا بشأن تقليص بعض الوظائف مثل الكتابة والتدقيق.
أخيرًا، هناك قضايا تتعلق بالخصوصية والأمان عند استخدام الذكاء الاصطناعى فى تحليل البيانات. من المهم وضع قواعد صارمة بشأن جمع واستخدام البيانات الشخصية للمواطنين وضمان حماية هذه البيانات من التسريب أو سوء الاستخدام.
وفى المجمل، يتطلب توظيف الذكاء الاصطناعى فى الصحافة اتخاذ تدابير وقائية لضمان توظيفه بشكل مسؤول وآمن، بما يساهم فى تحسين الأداء الصحفى دون التأثير على مصداقيته وجودته.
ختاما نقول، إن عصر الذكاء الاصطناعى شهد تحولاً كبيراً فى مجال الإعلام، وفرض تأثيرات هيكلية عليه مما يجعل الإعلاميون فى حاجة إلى اكتساب مهارات وقيم جديدة لتمكينهم من العمل فى هذا البيئة الرقمية، ولكن هذا يجب أن يتم مع الحفاظ التام على القيم الإنسانية الأساسية فى الإعلام مثل الصدق والحرية والتسامح والحوار والإنسانية، فبدون وجود علاقة تكامل بين الذكاء البشرى والذكاء الاصطناعى لن يتحقق دور الإعلام فى خدمة المجتمع وتحقيق التنمية الإنسانية المأمولة للوطن.
المصدر: اليوم السابع