عمر غازيكُتاب الترند العربي

عمرو بيلا

عمر غازي

عندما تفتح هاتفك وتشاهد فيديو جديدًا لعمرو بيلا، تجد نفسك أمام ظاهرة غريبة، شخص يتحدث عن الطعام بأسلوب حاد، يسخر من الأطباق، يعلق على طريقة التقديم، يستخدم كلمات مثل “الزفارة” و”الكارثة”، ورغم ذلك، فإن متابعيه يزدادون، مشاهداته بالملايين، والمطاعم التي يهاجمها تجذب مزيدًا من الزبائن بدافع الفضول، هنا يصبح السؤال ضروريًا: لماذا يجذبنا هذا النوع من المحتوى؟ وكيف يمكن لشخص يهاجم الطعام أن يصبح من المؤثرين في مجال المطاعم؟

في مصر، كما في كثير من الدول، أصبح تقييم الطعام عبر الإنترنت صناعة قائمة بذاتها، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2022، فإن 78% من المستهلكين يعتمدون على مراجعات الإنترنت عند اختيار المطاعم، بل إن 45% يغيرون رأيهم بناءً على تقييم سلبي واحد حتى لو كانت لهم تجربة سابقة إيجابية في المكان نفسه، هذا التحول يعكس كيف أصبحت المراجعات الرقمية سلطة مؤثرة، لكن في المقابل، أظهرت دراسة من جامعة كاليفورنيا عام 2021 أن 63% من المراجعات الحادة التي تتخذ طابعًا هجوميًا تؤدي إلى زيادة الشهرة وليس العكس، أي أن النقد اللاذع أصبح وسيلة تسويقية غير مباشرة.

ظاهرة “عمرو بيلا” لا تتعلق فقط بشخص واحد، بل تعكس ميلاً عامًا لدى الجمهور نحو متابعة النقد أكثر من المدح، فالمتابع العادي لا ينجذب لمراجعة تقول “المطعم جيد والطعام لذيذ”، لكنه سيتابع بشغف فيديو يصف تجربة طعام بأنها “كارثية”، وسيبحث بنفسه ليكتشف إن كان ذلك صحيحًا أم لا، في هذا السياق، يظهر مفهوم “التسويق العكسي”، وهو نظرية تسويقية تعتمد على أن الدعاية السلبية قد تخلق تأثيرًا إيجابيًا عبر إثارة الفضول، حيث أظهرت دراسة أجراها معهد التسويق الرقمي في لندن عام 2023 أن 40% من الجمهور ينجذبون أكثر إلى المراجعات السلبية ويزيد احتمال تجربتهم لما يتم انتقاده، مما يفسر لماذا تستمر شهرة مدوني الطعام الذين يستخدمون النقد الحاد.

لكن هل هذه الظاهرة مقتصرة على مصر؟ الإجابة لا، ففي الولايات المتحدة، هناك شخصيات مثل غوردون رامزي الذي بنى جزءًا كبيرًا من شهرته على نقده الحاد للمطاعم، ومع ذلك، أصبح من أكبر الأسماء في عالم الطهي، في اليابان، انتشرت قنوات متخصصة في “تفكيك الطعام” حيث يتم انتقاد المطاعم بطريقة تحليلية تجعل المشاهد أكثر اهتمامًا بالتفاصيل، في كل هذه الحالات، يثبت أن الجمهور ينجذب أكثر إلى الآراء القوية والمباشرة، سواء اتفق معها أم لا.

لكن إذا كان هذا النهج فعالًا في جذب الانتباه، فهل هو أخلاقي؟ وهل يستحق أصحاب المطاعم الصغيرة هجومًا علنيًا قد يدمر مشاريعهم؟ في تقرير صادر عن منظمة الغذاء والسياحة العالمية عام 2022، تبيّن أن 30% من المطاعم التي تتعرض لحملات نقد إلكترونية حادة تعاني من انخفاض المبيعات لفترة تصل إلى 6 أشهر، ورغم ذلك، فإن بعض المطاعم التي تعاملت مع النقد بذكاء تمكنت من تحويله إلى دعاية إيجابية عبر تحسين خدماتها ودعوة النقاد إلى تجربة جديدة.

في هذا السياق، يُقال في المثل العامي “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”، مما يعكس تعاطف الناس مع أصحاب المطاعم الذين يتعرضون لنقد لاذع، حتى لو كان الناقد محقًا، هذا التعاطف قد يتحول إلى دعم للمطعم وزيادة في عدد الزبائن، حيث يسعى البعض لتقديم الدعم والتضامن مع أصحاب المشاريع الصغيرة، في دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2023، وُجد أن 25% من المستهلكين يزورون المطاعم التي تتعرض لنقد حاد بدافع التعاطف والرغبة في تقديم الدعم.

يبقى السؤال الأكبر: هل المحتوى الذي يقدمه “عمرو بيلا” وأمثاله مجرد استغلال لميول الجمهور نحو الفضائح، أم أنه تطور طبيعي في عالم التقييم الرقمي؟ وهل ستبقى هذه الظاهرة تسيطر على عالم المراجعات، أم أن الجمهور سيصل إلى مرحلة يتوقف فيها عن الانجذاب إلى النقد الحاد ويبحث عن تقييمات أكثر موضوعية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى