عمر غازيكُتاب الترند العربي

الأنثى والاستقلالية

عمر غازي

في إحدى اللقاءات التلفزيونية، سألت المذيعة ضيفتها عن معنى الاستقلالية، فأجابت الأخيرة بكل ثقة: “أن تكون المرأة قادرة على العيش بدون الحاجة إلى رجل”، الجملة حصدت تصفيق الجمهور، لكنها في حقيقتها تعكس فخًا فكريًا يقع فيه كثيرون حين يختزلون مفهوم الاستقلالية في التحرر من الرجل، متجاهلين أن الاستقلال الحقيقي لا يتعلق بإقصاء الآخر، بل ببناء الذات على أسس واقعية، فهل الاستقلالية تعني العزلة؟ أم أن هذا الطرح يخدم أجندات لا علاقة لها بحقيقة التوازن الطبيعي بين الجنسين؟

المشكلة ليست في سعي المرأة لتحقيق ذاتها، بل في تحويل الاستقلالية إلى معيار نجاح مطلق، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2022 أن 73% من النساء اللاتي يعيشن بمفردهن يشعرن بمعدلات أعلى من التوتر مقارنة بالنساء اللاتي لديهن دعم أسري، فهل هذا هو النموذج المثالي الذي يُراد فرضه على المجتمع؟ استقلالية الأنثى حين تُفرض كحالة فردية منفصلة عن الأسرة والعلاقات الصحية تتحول إلى عبء أكثر منها إنجازًا، فالمجتمعات لم تنهض بقرارات فردية معزولة، بل بتكامل الأدوار، وغياب هذه الحقيقة هو ما جعل كثيرًا من النساء يكتشفن بعد سنوات من الترويج لأوهام الاستقلال أن الحرية المطلقة قد تكون أقرب للوحدة المطلقة.

الرؤية النسوية التي تربط الاستقلال بالقطيعة مع الرجل تُناقض حتى واقع النساء أنفسهن، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80% من النساء العاملات في الدول المتقدمة يفضلن التوازن بين العمل والحياة الأسرية بدلًا من النموذج الذي يُقدَّم لهن كحتمية اجتماعية، إذًا، هل الاستقلال خيار فردي أم فرض اجتماعي؟ ولماذا يتم تسويق نموذج لا يتناسب مع واقع الغالبية؟

الأمر لا يقف عند هذا الحد، فحين يتحول مفهوم الاستقلالية إلى معيار للتفوق، يصبح كل خيار مختلف وكأنه نقص أو تراجع، رغم أن المجتمعات التي حققت أكثر معدلات الرفاهية ليست تلك التي رفعت شعار الاستقلال المطلق، بل تلك التي وفرت بيئة تتيح التوازن، ففي اليابان، حيث تُعتبر من أعلى الدول اقتصادًا، تعمل المرأة وفق نموذج مجتمعي يُعزز تكامل الأدوار بدلًا من الصراع بينها، مما جعل نسبة الرضا عن الحياة الأسرية فيها تصل إلى 78% وفق تقرير البنك الدولي لعام 2021، فهل نحن بحاجة إلى استيراد نماذج تتجاهل هذه الحقائق؟

الاستقلالية لا تعني العزلة، ولا يُمكن أن تُختصر في فكرة التحرر من الرجل، بل هي بناء الذات ضمن منظومة صحية من العلاقات والتفاعل، السؤال الذي يجب أن يُطرح ليس عن حق المرأة في الاستقلال، بل عن مفهوم هذا الاستقلال، وهل هو في النهاية اختيار حر أم أنه مجرد نموذج يُفرض دون أن يُتاح حتى مجال لمراجعته؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى