عمر غازيكُتاب الترند العربي

كيف تقنع مديرك بزيادة راتبك؟

عمر غازي

في صمت المكاتب ووسط ضجيج الطموحات المتزايدة، يتكرر مشهد يبدو مألوفًا للجميع: موظف يتقدم لمديره بطلب زيادة في راتبه، لكنه يعرض مبررات تتعلق بظروفه الشخصية بدلًا من تقديم دليل واضح على مساهمته الفعلية في نجاح المؤسسة، فيتحدث عن أعباء الزواج أو احتياجات أسرته الجديدة أو حتى مرض أحد أقاربه، وغالبًا ما يخرج يخفي حنين، ساخطًا على مديره أو صاحب العمل، متجاهلًا أن عالم العمل تحكمه قوانين أخرى غير العواطف، فهي تعتمد على الأرقام والقيمة المضافة، فقرارات زيادة الرواتب ليست فعلًا إنسانيًا بقدر ما هي انعكاس لمعطيات اقتصادية تدور حول الإنتاجية والتأثير المباشر على أهداف المؤسسة.

وفقًا لدراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2021، فإن 70% من المديرين يفضلون الموظفين الذين يقدمون بيانات وأدلة ملموسة عند طلب زيادات في الرواتب، بينما يعتبرون المبررات الشخصية والعاطفية دليلًا على نقص الاحترافية، وهو ما يؤكد أن لغة العمل هي التي تحكم هذا العالم، حيث تعتمد على الأرقام، والإنجازات، والإسهامات الفعلية، والقيمة المضافة التي يقدمها، فالموظف الذي يدرك هذا المنطق يتمكن من بناء حوار قائم على القيمة، مما يعزز فرصه في تحقيق طلبه دون المساس بمكانته المهنية.

لكن هذا الفهم ليس شائعًا بين الجميع، فغالبية الموظفين، وخاصة الشباب في بداية مسيرتهم، يرون الراتب كحق مكتسب بناءً على ظروفهم لا على أدائهم، مما يجعلهم عرضة للإحباط والجمود الوظيفي، فوفق تقرير صادر عن مؤسسة “غالوب” عام 2022، فإن 60% من العاملين يشعرون بعدم رضا عن رواتبهم، ومع ذلك، يعترف 55% منهم بأنهم لم يبذلوا جهدًا لتوضيح قيمتهم أو التفاوض بشأن زيادات الرواتب، مما يبرز فجوة واضحة بين تطلعات الموظف وطريقة تفكيره.

الطريق إلى تغيير هذا الواقع يبدأ من إدراك الموظف لاحتياجات المؤسسة وفهم أولوياتها، فالموظف ليس مجرد رقم في كشف الرواتب، بل هو في الحقيقة استثمار يعتمد على تحقيق عوائد تتجاوز ما يتقاضاه، لذا، التفكير من منظور صاحب العمل يساعد الموظف على تقديم نفسه كعنصر لا غنى عنه، وهذه الرؤية الاستراتيجية هي ما تميز الناجحين عن غيرهم في بيئة العمل، فبدلًا من التوجه إلى المدير بعبارات تعكس الاحتياجات الشخصية، يأتي الموظف حاملًا تقارير عن إنجازاته وأفكاره التي ساهمت في تحسين الأداء أو خفض التكاليف.

التدريب على التفاوض الذكي يمثل أيضًا جزءًا محوريًا في هذا التحول، حيقث أظهرت دراسة صادرة عن شركة ماكينزي عام 2022 أن الشركات التي تدمج مهارات التفاوض في برامج التطوير المهني لموظفيها تحقق نتائج أفضل بنسبة 30% في الاحتفاظ بالمواهب وتحسين الأداء العام، مما يوضح أن التفاوض ليس مجرد وسيلة لزيادة الدخل، بل أداة استراتيجية تعزز من قيمة المؤسسة والفرد معًا، فهل يمكننا النظر إلى مفهوم الراتب من زاوية مختلفة تمامًا؟

الجواب على هذا التساؤل يكمن في فهم العلاقة بين القيمة التي يقدمها الموظف والنتائج التي تحققها المؤسسة، فعندما يتحول الراتب إلى انعكاس لهذه القيمة، يصبح الموظف قادرًا على تحقيق نمو مالي يتناسب مع جهوده الحقيقية، وليس مجرد محاولة لاستدرار عطف الإدارة، لأن هذه هي الوسيلة الصحيحة لإقناع الإدارة ولا شيء آخر غيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى