عمر غازيكُتاب الترند العربي

اقتصاد الضرائب

عمر غازي

بينما تواجه دول عديدة تحديات اقتصادية معقدة، تلجأ بعضها إلى حلول مؤقتة مثل فرض ضرائب جديدة، دون أن تعالج جذور الأزمة، ففي مصر، جاءت الضرائب المفروضة مؤخرًا على الهواتف المحمولة المستوردة كخطوة أثارت جدلًا واسعًا، حيث بدت هذه الخطوة كوسيلة لتوليد إيرادات حكومية بسرعة، لكنها في ذات الوقت تعكس غياب رؤية اقتصادية استراتيجية تعتمد على استثمار طويل الأمد في التصنيع المحلي والتنمية المستدامة.

الضرائب المفروضة على الهواتف المحمولة ليست مجرد إجراء اقتصادي عابر، بل هي انعكاس لنهج يعتمد على استنزاف المستهلك بدلًا من تحفيز الإنتاج، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2022 أن 65% من الدول التي تعتمد بشكل كبير على الضرائب غير المباشرة تعاني من تباطؤ اقتصادي مستدام، كما أن هذه الضرائب غالبًا ما تؤدي إلى تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، إذ تقع أعباؤها بشكل أساسي على الفئات المتوسطة والدنيا، ما يُضعف القدرة الشرائية ويقلل من معدل الإنفاق المحلي الذي يُعد أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي.

في المقابل، تسلط تجارب دول مثل الهند الضوء على استخدام الضرائب كوسيلة لدعم التصنيع المحلي وتشجيع الاستثمار، فمن خلال مبادرة “اصنع في الهند”، تم توجيه الإيرادات نحو بناء البنية التحتية وتوفير حوافز للشركات المحلية والدولية لإنشاء مصانع داخل الهند، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي عام 2023، فإن هذه الاستراتيجية ساعدت الهند على تقليل وارداتها من الإلكترونيات بنسبة 30% وزيادة الصادرات الصناعية بنسبة 25% خلال عقد واحد، هذه النتائج تؤكد أن الضرائب قد تكون أداة فعالة إذا ما اقترنت برؤية تنموية واضحة.

في الحالة المصرية، الضرائب الجديدة على الهواتف المحمولة قد تترك أثرًا سلبيًا يمتد إلى تزايد الفجوة الرقمية داخل المجتمع، حيث أظهرت دراسة أجرتها منظمة GSMA عام 2021 أن ارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية يؤدي إلى تراجع في نسبة الاعتماد على التكنولوجيا بنسبة تصل إلى 20% في الدول النامية، مما يُعيق الوصول إلى التعليم الرقمي والعمل عن بُعد والخدمات الرقمية، وهو ما يُضاعف من تحديات التنمية الاجتماعية ويُعمق الفوارق الاقتصادية بين الأفراد.

من جهة أخرى، يشير تقرير حديث صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2023 إلى أن الاقتصادات التي تعتمد بشكل مفرط على الضرائب المباشرة وغير المباشرة تفقد ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، حيث يُنظر إلى هذه السياسات كإشارة على ضعف الإدارة الاقتصادية وغياب الابتكار في إيجاد حلول مستدامة للأزمات المالية، بينما تعكس الاقتصادات التي تعتمد على التصنيع المحلي والاستثمارات الاستراتيجية قوة في الرؤية الاقتصادية وقدرة على مواجهة التحديات.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يمكن أن تتحول هذه الضرائب إلى خطوة إيجابية إذا ما وُضعت في إطار رؤية اقتصادية شاملة؟ الإجابة تكمن في قدرة الدولة على إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية وتحويل الإيرادات إلى استثمارات تُسهم في بناء اقتصاد إنتاجي يقلل الاعتماد على الواردات ويُعزز من قدرات التصنيع المحلي، فالتجربة المصرية ليست استثناءً، لكنها قد تكون فرصة لإثبات أن الإصلاح ممكن إذا ما ارتبط بإرادة حقيقية ورؤية تستثمر في الإنسان قبل أن تستنزف موارده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى