القوطية وألعاب الفيديو
تغريد العتيبي
في العقد الأخير قد تحولت ألعاب الفيديو إلى وسائط ترفيهية ذات قيمة نقدية في قراءة الثقافة وسلوكيات المستهلك بشكل عام، وكرياضة إلكترونية في حد ذاتها. فظهرت دراسات عنيت بتطوير وقراءة المنتجات الشائعة؛ لتحاول تكوين قاعدة تطويرية في صنع تلك الألعاب من الثقافة المحلية والشعبية بالاعتماد على الأساطير والحكايات، وهي باختزال القوطية القومية لتمكن صوتًا وصورة لتلك القوى الناعمة لتعبر القارات، وتكوّن قاعدة جماهيرية. لكن ألعاب الرعب والقوطية حظيت باهتمام لا يُضاهى من قبل النقّاد وقراء الثقافة، فهي ما زالت حديث النظريات الأخلاقية فيما تقدمه وما تحويه وتكونه وما تأثيرها الكامن وغيره.
وما زالت حديث نقّاد الرعب في مدى استقبال المستهلكين لتصويرات الرعب وتلك الأحاسيس، كالخوف والصدمات من قفزات مفاجئة لأشباح، إلى دموية تسمح للمستهلك بالاندماج نوعًا ما، كطلب التفاعل بضغط بعض الأزرار لإكمال تلك «المهمات»، والتصويرات المخيفة والعنيفة.
لعل أبرز تلك الدراسات هي كون ألعاب الفيديو جزءًا فعّالًا في دراسات الرعب والصوت، ومدى استقبال المستهلكين للموسيقى المريبة، أو الصمت التام، أو أصوات المحيطات، كصدى قطرات ماء، أو خطوات لشيء لا يُرى في الظلام، أو زحف صادرًا من السقف، أو صرير أبواب قديمة، أو أخرى تقفل، أو ضحكات أطفال، أو حتى المركبات المشوهة من أصوات لأشياء لا ترتبط بها، كصوت طفل صادرًا من وحش، وغيرها. هنا لا ينظر نقاد القوطية والرعب إلى الأخلاقيات في تلك التصويرات، وإنما في أوساط نظريات المؤثرات، فهي تُعنى بالمستقبلات والأحاسيس لمصادر الرعب والخوف. لنجد الاختلافات مثلًا في تقبل المستهلكين والأشخاص لتلك الألعاب والتفاعل معها؛ فهناك من يضحك أو يخاف أو أصبح معتادًا أنواعًا عدة من تلك المؤثرات؛ فنجده يصف اللعبة بـ«غير مرعبة»، لكنه أصبح لديه حس «توقُّع» ولو كان كامنًا في «الاستعداد» و«التأهّب» النفسي. مثلًا عندما يرى الذبذبة في الإضاءة يتوقع «شبح» وعندما يرى تغيُّر زاوية الرؤية إلى الخلف يتوقع مطاردة وحش وهكذا.
لذلك نجد أن القوطية تقحم نفسها في أنواع عدة من ألعاب الفيديو بخلاف امتلاكها لألعاب الرعب، فهي الطابع المعتمد غالبًا أو الكلاسيكي في الألعاب ذات العوالم المفتوحة، باعتمادها غالبًا على أساطير الشعوب والقتل، مثلًا سلسلة «عقيدة القاتل، أساسن كريد»، أو الخيال والفانتازيا المظلمة، كما في الويتشر المستلهمة من الروايات المظلمة في الخيال والسحر والوحوش لأندريه سبكوسكي من الأساطير السلافية وألعاب «السولز»، كإلدن رينق وسلسلة الأرواح المظلمة. ذلك عوضًا عن الألعاب التي ترتكز بشكل أساسي على عناصر القوطية ونمطياتها المعروفة في القوالب العصرية كألعاب الزومبي أو نهاية العالم مثل «الآخر منا»، والقوطية الكلاسيكية كالقلاع ومصاصي الدماء كما في سلسلة «كاستلفانيا»، أو أسياد الظل و«فامباير» وغيرها. وتتعدى الألعاب القوطية إلى ما شابه الواقعية في بعض تلك الألعاب مثل «حكاية طاعون». وتتعدى ذلك القوطية إلى احتواء عديد من ألعاب المغامرات الخطية كأمير بلاد فارس أو ألعاب التحقيق، التي استوحت شخصياتها وقصصها من تفرعات الأدب القوطي كألعاب شيرلوك هولمز.
لكن غير تلك الألعاب القصصية أو المستلهمة من روايات تتقاطع مع القوطية أو من تفرعاتها، فقد يهدف نقاد الرعب إلى دراسة الأساليب التي تستخدمها ألعاب الرعب في حد ذاتها كصنف، مثلًا ما تقدمه ألعاب التل الصامت من دمج أسلوبَي الخوف النفسي والرعب المجسد الدموي، وأوائل ألعاب الشر المقيم والشر الكامن وألعاب النجاة، كالضوء المتخافت أو سلسلة ألعاب قطار الأنفاق.
فنقاد الرعب غالبًا ما يتفحصّون ويقرؤون تلك التداخلات في الرعب والقوطية وألعاب الفيديو، كوسائط ومؤثرات عوضًا عن طرح الأسئلة الأخلاقية في تأثيرات العنف، بحيث إنها تُرى كوسيلة تعبير عن رعب ومخاوف على غرار نصوص أدب القوطية وأفلام الرعب، لكن الوسيلة أكثر تفاعلية، بحيث تضع المستهلك مكان الشخصيات الرئيسة، فنرى عادة اعتماد ألعاب الرعب على المنظور الأول خاصة في ألعاب النجاة والهروب. فالقوطية هنا لا تجيب على تلك الأسئلة الأخلاقية، إنما تدرس تفاعلاتها، ولماذا تلك التصويرات هي وسيلتنا للتعبير عن أسئلة أخرى كامنة، كقيمة العائلة والتضحيات في قصة الطاعون «الجائحات»، ولعبة «فامباير»، التي تتبع مصاص دماء طبيبًا في لندن وقت الحظر، في غضون انتشار الإنفلونزا الإسبانية والتحديات النفسية والعصبية، كألعاب «السولز»، وما يقدمه الخيال الظلامي من ملاحم أسطورية قوطية بأشباح وعوالم متعددة، والموت والحياة في ألعاب النجاة والجنون وغيره في التل الصامت والشر الكامن، ونرَى مثلا في الألعاب ذات المطورين الناشئين، تحكي قصصًا وقضايا مثل «اختفاء إيثان كارتر» عن تعنيف الأطفال، ومدى تخيله في لحظات فقدان الأمل والبؤس لبطل خارق، كالمحقق «الشخصية الرئيسة» الذي يبحث عنه، ويحل القضية ليعرف الحقيقة، بأن من قتل إيثان ليست الوحوش الخيالية كوجوده في خيال إيثان، بل هو العنف الذي قضى على إيثان كارتر.
ونرى أن قراء القوطية هنا لا يسعون إلى تقويض ألعاب الرعب والقوطية، بل دراسة تطورها وتفاعلها مع المستهلكين، ولماذا ما صنف «مؤثرًا» سلبيًّا من قبل الأخلاقيين قد خلق فعلًا ذلك التأثير على ذات الشخص، وليس شرائح مستهلكي تلك الألعاب أو ما شابهها. فهي تُرى على أنها سرديات رقمية تفاعلية في الرعب والخوف.
المصدر: سوليوود