فيلم “A Woman Under the Influence”
روجر إيبرت
يعد جون كاسافيتس أحد المخرجين المعاصرين القلائل الذين تُبرز على الفور لقطاتهم ومشاهدهم وحوارهم وشخصياتهم التي تحمل بصمة مبدعها؛ شاهد فقط بضع ثوان من أفلامه، وستعرف من هو، بالتأكيد كما هو الحال مع هيتشكوك وفيليني. إنها أفلام تتمتع بالرهبة من الصمت. حيث تتمكن الشخصيات فيها بالتحدث والقتال والمزاح، والغناء، والاعتراف، والاتهام. وهم بحاجة ماسة إلى الشعور بالحب، ولا يدركون كيفية منحه للآخرين والشعور به، لكن الله يعلم كيف يحاولون جاهدين.
يُعد كاسافيتس «89-1929» أحد أبرز صانعي الأفلام الأميركيين المستقلين. عُرض فيلمه «Shadows» لعام 1959، الذي تم تصويره بحجم الـ16 ملم بميزانية منخفضة وشخصيات واقعية في مواقف عفوية، في نفس الوقت الذي ظهرت فيه الموجة الفرنسية الجديدة وقدم حرية مماثلة في أميركا: ليست شكليات أعمال شركات الإنتاج الضخمة، ولكن عفوية الحياة التي تحدث الآن. ومن المفارقات أن كاسافيتس قام بجمع الأموال من خلال بطولته في أفلام السينما مثل «Rosemary’s Baby وThe Fury» لينتج أفلامه الخاصة.
نظرًا لأن عمله بدا حديثًا جدًا، كاسافيتس افترض أنه كان مخرجًا ارتجاليًا ولكن هذا لم يكن صحيحًا. فقد كان مؤلف أفلامه، ونظرًا لأنه ألف قصص أفلامه على تجربته العاطفية الشخصية، ولأن ممثليه كانوا أفرادًا من العائلة أو الأصدقاء، شعر عالمه بالعفوية. لم يكن لديه حبكة واضحة، بل السقوط الحر في صلب الموضوع، فكان يعلم أنك غالبًا ما ترتجل في الحياة، بل تؤدي شخصية تم التدرب عليها بعناية مدى الحياة.
ربما يُعد فيلم “A Woman Under the Influence” لعام 1974 أعظم أفلام كاسافيتس، على الرغم من أنه أثبت أن أعظم أفلامه هو فيلم «Love Streams» في عام 1984. يشارك في بطولته زوجته وشريكته الأكثر تعاونًا جينا رولاندز وصديقه بيتر فالك في أدوار ربما يقتبسها من زواجه «إلى أي مدى يمكنك تخمين حقيقة أن أمهات الشخصيتين يلعبن دورهما ليدي رولاندز وكاثرن كاسافيتس».
يلعب فالك دور رئيس عمال الإنشاءات يدعى نيك لونغيتي، ورولاندز هي زوجته مابيل. ولديهم ثلاثة أطفال، ويعيشون في منزل لا يتمتع بالكثير من الخصوصية حيث ينامون على سرير أريكة في غرفة الطعام. «يحتوي باب الحمام على لافتة كبيرة: «خاص». الناس يطرقون على الباب دائمًا». تشرب مابيل كثيرًا وتتصرف بغرابة، وخلال الفيلم ستصاب بانهيار نفسي، وستقضي بعض الوقت في مصحة عقلية، وستكون نجمة حفل استقبالها بالمنزل. فقط بحلول نهاية الفيلم، يتضح أن نيك مجنونًا مثل زوجته، وقد حقق جنونيهما اليائس تناسب لطيف بينهما.
فازت رولاندز بترشيح لجائزة الأوسكار عن أدائها في هذا الفيلم، الذي يوحي بأداء إرما بومبيك في دور السيدة ماكبث. جنونها يتأجج وسط ارتباكات الحياة الأسرية المشوشة. فلا شيء يمر بسهولة. وكانت كلماتها الأولى هي «لا تصرخوا!»، وأرسلت أطفالها الثلاثة لقضاء الليل مع والدتها، وأخذت تقفز حول الفناء الأمامي على قدم واحدة، بعد أن فقدت حذائها. وعندما وصل زوجها بشكل غير متوقع إلى المنزل في الصباح الباكر مع 10 من زملائه من عمال البناء، سألته على الفور: «هل تريد بعض السباغيتي؟» وهي تصارع نفسها، وفي النهاية تحتضن أحد العمال الخجولين، وتطلب منه الرقص، حتى نيك قام بتغيير حالته المزاجية لتتناسب مع مابيل، وقاطع الأجواء قائلًا: «لقد استمتعت بوقتك بما فيه الكفاية». سرعان ما يخلي العمال أماكنهم ويغادرون، بينما تنهار مابيل في رماد محاولة فاشلة أخرى لإرضاء الغير.
لا تملك مابيل مكانًا خاصًا بها. حيث ينتمي منزلها بأكمله في جميع الأوقات إلى أفراد عائلتها الآخرين وأقاربها وأصهارها والجيران والزوار غير المتوقعين مثل الدكتور زيب «إيدي شو»، الذي يحضر لتقييم وضعها ويقرر ما إذا كانت حالة مناسبة للعلاج. كانت توجد لحظة هدوء في بداية الفيلم عندما تُترك مابيل بمفردها لفترة من الوقت، وتقف في منتصف الردهة الأمامية تدخن وتفكر وتستمع إلى الأوبرا وتشرب وتقوم بإيماءات نحو زوايا الغرف، وكأنها تتأكد من أنها لا تزال هناك.
في وقت لاحق نراها تشرب الكثير من الويسكي في حانة، وتقضي الليل مع رجل لا تستطيع التخلص منه. «يغادر الرجل قبل وصول نيك مع طاقمه مباشرة. يتجنب كاسافيتس المردود الواضح المتمثل في اجتماعهم، مع إثبات احتمال حدوث مثل هذه الاجتماعات مع الرجال الضالين في الماضي». وبينما كانت مابيل تقضي لحظة دافئة حميمة مع نيك بمفردهما، دخل عليهم أطفالهم وانضموا إليهم على السرير كما دخلت والدة مابيل وقاد نيك الجميع في صفير جنوني مع أداء أغنية «Jingle Bells».
تجتاح هذا المنزل موجات من الضوضاء والفوضى. كتب الناقد راي كارني: «من وجهة نظرها، أن يتوقف الأمر عن التحرك حتى للحظة واحدة يعني أن تبدأ في الموت». يُعد هذا صحيحًا بالنسبة لمعظم شخصيات كاسافيتس. تعيش مابيل في صراع دائم يشمل الخوف من الصمت أو البصيرة والشكوك في قدراتها كزوجة وأم، واللجوء إلى شرب الكحول والحبوب لتخفيف التوتر والشعور بالسعادة. مجرد وصول الحافلة المدرسية كل يوم هي أزمة يومية لها، بينما يؤدي الأطفال في المنزل العديد من الأنشطة ويُطلب منهم دائمًا اللعب والغناء والقفز وإظهار السعادة والتفاؤل. وتسأل مابيل نيك «أخبرني ماذا تريد مني أن أكون، يمكنني أن أكون أي شيء».
بينما كانت مابيل قد دخلت المصحة، نرى جنون نيك نفسه، وهو يمثل صورة ذكورية تقليدية متسلطة وراء ثقة ذاتية عالية. فكر في المشهد الذي يصل فيه إلى مدرسة أطفاله في شاحنة المدينة، ويسحب الأطفال من الفصول الدراسية ويأخذهم إلى الشاطئ، حيث يطلب منهم الجري ذهابًا وإيابًا وقضاء وقت ممتع. في طريق العودة إلى المنزل، يسمح لهم حتى برشفة من عبوة الشراب الخاصة به. لم تفعل مابيل شيئًا جنونيًا كهذا.
وفكر في الاستقبال الذي يخطط نيك له لمابيل عند عودتها من المصحة. فهو متوتر بطرق لا حصر لها، ولكن تحت كل شيء هناك إحساس بعودة الممثلة لاستعادة الدور الذي صنعته بنفسها، في مسرحية طويلة الأمد. قد تكون بصحة جيدة، وربما لا تزال مريضة، لكن الأشخاص الذين في حياتها يشعرون بالارتياح لعودتها فحسب، تأخذ المكانة النفسية التي اعتادوا أن تحتلها. الأسرة المفككة ليست أسرة عاطلة. إنها تعمل بطريقتها، ورغم الروتين الغريب فيها قد يكون هناك نوع من الطمأنينة.
لا يظهر حل آمن في نهاية فيلم كاسافيتس. فإنك تشعر أن اضطرابات الحياة تستمر دون انقطاع، أن كل فيلم هو سِتار مرفوع على مسرحية قيد التنفيذ. وتسعى الشخصيات إلى إعطاء الحب وتلقيه والتعبير عنه وفهمه. وتمنعهم العديد من الإدمانات: الكحول، والمخدرات، والجنس، والشك في الذات. يتحدث خبراء التنمية الذاتية عن «الشعور بأنك عالق في الماضي». يكتب كاسافيتس شخصيات عالقة في الماضي وكأنها في زنزانة سجن، ويمثل حوارهم نداءً للمساعدة يتردد من بين قضبان الزنزانة.
يقترح كارني أن فيلم «A Woman Under the Influence» هو الفيلم الأوسط لمجموعة أفلام حول الزواج لكاسافيتس. الفيلم الأول هو «Minnie and Moskowitz» لعام 1971، مع رولاندز وسيمور كاسيل في سكرة الحب الأول والفيلم الثالث هو «Faces» لعام 1968 مع رولاندز وجون مارلي في المراحل الأخيرة من الزواج المتفكك. يأتي «A Woman Under the Influence» في وسط فيضان الزواج والأمومة، مع توازن غير مؤكد بين الأمل والخوف.
استلهم كاسافيتس العديد من الأفلام الأخرى من سعيه وابتهاجاته في الحياة. اعتقدت أن فيلم «Husbands» لعام 1970 لم يكن مقنعًا، حيث امضوا «كاسافيتس وفالك وبن جازارا» حدادهم على صديق لهم من خلال عقد فترة فساد أخلاقي ممتدة. فيلم «The Killing of a Chinese Bookie» لعام 1976، مع جازارا كصاحب لنادي ليلي الذي لاقى شهرة متأخرة، ويصور صاحب النادي الساحر والمتقلب. فيلم «Opening Night» لعام 1977 من بطولة رولاندز في أحد أفضل عروضها، حيث تلعب دورها كممثلة مدمنة على الكحول تنهار في الليلة الأولى لعرض مسرحية جديدة. فيلم «Gloria» لعام 1980 أكثر تقليدية، مع رولاندز كامرأة تُدعى غلوريا تخفي طفلًا تم التخلي عنه من قبل والديه. ثم تأتي عظمة فيلم «Love Streams» لعام 1984، ولكن بحلول ذلك الوقت كانت صحة كاسافيتس تتدهور وبعد بضع أفلام أخرى انحدر إلى مرض مؤلم ومستعص.
أحد الأشياء التي يمكن أن نطلبها من الفنان هي سجل يخبرنا عن كيف كانت الأمور بالنسبة له، وكيف رأى الأشياء، وكيف تعامل معها. الأفلام هي وسيلة تعاونية إلى حد كبير حيث إننا نادرًا ما نحصل على إحساس شخص واحد، لكن كاسافيتس على الأقل جعلها اثنين: نفسه ورولاندز. وكان نجاحه يتضمن في أنه يضع رولاندز أمامه دائمًا، وليس الذكر الذي يلعب دور كاسافيتس.
المصدر: سوليوود