النوستولوجيا رافعة الأفلام والأبطال.. فيلم The Unbearable Weight of Massive Talent لنيكولاس كيج
د. محمد البشير
هناك لاعبٌ خفي! لا يُمكن الكشف عنه، فهو يعمل بوعي أو دون وعي في رفع تقبلك لعمل وخفض آخر، وعدد النجوم التي تُقدِّمها لفيلم على مواقع المراجعات، أو ما يُمكن التعبير عنه شعرًا:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
ولعلنا نلحظ ذلك عند مشاهدة أعمال كبار الممثلين ممّن نشأنا على محبتهم، والضحك على نكاتهم، والتفاعل مع مشاهدهم، بينما لا يشاركنا الرأي من جاء عقبنا ممّن لم يرتبط بهم من الأجيال الجديدة؛ بل رؤية ما يتم تقديمه ضربًا من التهريج والنكات “الماسخة” التي لا تُبتلع، ولذلك نتساءل: هل هذه النكتة المرتبطة بزمن وأرشيف ثقافي تُضحكُنا لو أتت اليوم؟ أم أن ما يضحكنا متمثلٌ في قدرتها على نقلنا إلى زمن ماضٍ، ونريد أن نستعير فيه آلة الزمن فلا نجدها، بينما تنوب فيه هذه النكتة عن آلة الزمن، وتنقلنا نكتة إلى هناك دون عناء؟
أفلام لا تُنسى
يرتبط جيل السينما في التسعينيات الميلادية بعدد من الأبطال، ومن هؤلاء البطل «نيكولاس كيج» بلا ريب، فمن لا يذكر أدواره في : Red Rock West عام 1993، وLeaving Las Vegas عام 1995 ليحصد جائزته الوحيدة في مسيرته كأفضل ممثل في حفل الأوسكار عام 1996، ويواصل مسيرته بفيلمه الذي لا يغادر ذاكرتي Face off للمخرج «جون هو» عام 1997، واقتسام البطولة بينه وبين “جون ترافولتا”، وأخيرًا في أواخر التسعينات التي ختمها مع سكورسيزي بفيلم Bringing Out the Dead عام 1999.
نهاية المطاف
ظل نيكولاس كيج يقدم أعمالًا يحسن في بعضها، ويسيء لمسيرته في أخرى، ووصل إلى مرحلة لا تليق بهذا الاسم اللامع الذي له مكانة عند من تعلق بأدائه في التسعينيات، ولذلك يجد المشاهد لفيلمه The Unbearable Weight of Massive Talent “وزن الموهبة الهائل الذي لا يطاق” عام 2022 وسيلة للتكفير بتأدية دوره، وكأن الفيلم جاء دراميًّا ليحكي قصة هذا البطل الذي فقد الأضواء، ويحاول العودة إليها، فيأتي حدث فارق يعيده للبطولة دون أن يدري.
الانتشال
تداول ناشطون مقطعًا لنيكولاس كيج مخمورًا ومطرودًا من أحد المطاعم الشهيرة، ووُضع الخبر على صحيفة The Sun في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر عام 2021، ولا يليق هذا الختام ببطل أحبه الناس، وموهبة بحجم نيكولاس كيج، فجاء هذا الفيلم من إخراج الشاب توم جورميكان، وهو كاتب ومخرج لا يمتلك رصيدًا كبيرًا، ولكنه راهن على قصة بطل يحتل ذاكرة الناس، وتقاسم السيناريو مع كيفن إيتن، ولعب على الكوميديا في حكاية لا تحتمل كثيرًا، ولكنها تضم إلى قائمتها البطل “بيدرو باسكال” أحد وجوه المسلسلين الرائجين Game of Thrones، وNarcos، فكان هذا الفيلم بمثابة الانتشال ليعود كيج من جديد بشخصيته التي لا يمكن لأحد أن يؤديها في هذه المرحلة أفضل منه، وبمساندة مِن بطلٍ يُحبّه الناس في هذا الزمن.
الاتكاء
يبدأ الفيلم بمقطع لـ«نيكولاس كيج» في دور “كاميرون” بطل فيلم Con Air من الزمن الجميل عام 1997، وتنتقل الكاميرا إلى ماريا التي تشاهد الفيلم، وتعلق بإعجابها بهذا البطل نيكولاس كيج الماثل أمامها على الشاشة، وتواصل الكاميرا نقل ما يحدث في غرفة ماريا التي تُختطف؛ لتبدأ الرحلة، والانتقال من إيطاليا إلى لوس أنجلوس حيث نيكولاس كيج في هذا الزمن والخيبات المتوالية بعدم وجود عمل، ومحاولة تقديم اختبار أداء دون أن يطلب منه، لا لشيء إلا ليقنع الآخرين ! ولكن دون جدوى.
الماضي والحاضر
لعب الفيلم على شخصيتين، فجعل ماضي نيكولاس كيج يجادل حاضره، ويُظهر ماضيه وشبابَه في مواقفَ حاسمة في الفيلم، ويكشف أوراقه وحاجته إلى العمل، فالتمثيل ليس هواية يمكن التخلص منها أو اللجوء إليها متى نشاء؛ بل هي وظيفة تُطعمه ويعيش بها، وبما يجنيه يستطيع أن يسدد فواتيره، فالأمر ليس ترفًا بل ضرورة بمقياسه، وهذا ما لم يجده بتقلص الفرص، وفرار المنتجين؛ ليقبل مضطرًّا بأعمال لا تليق بتاريخه، ولكنها الحياة التي تقوده لتمثيل ما لم يقتنع به من أجل العمل!
الأسرة
تزوج نيكولاس كيج عدة زيجات منها “ليزا ماري” ابنة “ألفيس برسلي” التي تزوجها عامي “2002 – 2004” عقب انفصالها عن “مايكل جاكسون” بسنوات، وآخرها اليابانية الشابة “ريكو شيباتا”، فجاء الفيلم بأسرة لنيكولاس كيج وابنة، وعلاقة مضطربة تهزّ الرابطة الأسرية، فدخول موهبته طاغية ومؤثرة على حياة الأسرة بأسرها؛ حتى أنّ هذا التدخل أفسد حفل عيد ميلاد ابنته عندما جاء ثملًا، وهتف ليجمع الحاضرين حول البيانو من أجل تقديم أغنية كتبها لابنته، ومتى؟ في هذه اللحظة التي تترقب الابنة الأضواء حولها في حفلها؛ بينما يأتي كيج ليهديها الأغنية “التي لا معنى لها” معزوفة على البيانو، وفي إشارة من الفيلم إلى محبته لجلب الأضواء حوله في كل محفل، وهذه الموهبة الدميمة التي لا تُطاق حين تأتي في التوقيت الخاطئ، وعند جيل لا يقتسم معه التفضيلات، فتصنع سورًا هائلًا بينه وبين أسرته؛ لا ينهدم إلا بحدث فاصل.
الأكشن
اشتهر نيكولاس كيج بأدواره الحركية في أفلام الإثارة، وجاء الفيلم موظِّفًا هذه القدرة مصحوبة بالكوميديا التي تبدأ برحلته راضخًا إلى “ميورقة” في إيطاليا عازمًا على أن يكون آخر عمل له، فيشاهد في طائرته الخاصة خبر اختطاف ابنة المرشح الرئاسي الكتالوني «تشارلز ديلغادو»، وفيلمًا له لا يكمله في إشارة يأس وإحباط يتملكه، واستعداد لآخر فرصة يودع التمثيل بعدها، فيبدأ خوض المغامرة دون أن يعلم، وذلك بانتظار «فيفيان» عميلة المخابرات الأمريكية في المطار لاستقباله دون تخطيط مسبق، فالقدر لا يترك الأبطال دون بطولة تأتي قسرًا، فتبدأ الرحلة بهبوط الطائرة، وبداية دخول البطل «نيكولاس كيج» دوره الجديد بوجود جهاز تعقب.
التمثيل ألّا تُمثّل
أصدَقُ الأدوار هي تلك التي يلبس فيها الممثل الشخصية، فلا تكاد تعرفه، وهذا ما حدث في الفيلم حين انتقل نيكولاس من ممثل مدعو ؛ إلى عميل سري داخل قصر زعيم العصابة، ولكن هل استطاع نيكولاس كيج أن يمثّل نفسه؟ ربما كان الأمر مقنعًا في دور الممثل الذي فاته قطار العمر، ولا يستطيع أن يتعايش مع مرحلته العمرية، وهذا ما كسره كثير من الممثلين مثل أنتوني هوبكنر مؤخرًا بفيلم « The Father » بدور أنتوني وعمره وألزهايمر الذي يليق بهذا العمر، وحقق هوبكنز بهذا الفيلم رضا النقاد والجمهور، فالتمثيل أن تقوم بدورك، ولا تقفز على عمرك ببطولة وإثارة لا تتناسب مع مرحلتك العمرية، والبطولة ألّا تلبس عُمرًا لا يناسبك، وتؤدي دورًا يكبر قدراتك وقوتك، ولكن من أجل الحنين، سنمثّل دور المندهشين، ونعيش التسعينيات في رحلة الزمن، ولو مجاملة من أجل “كيج”.
المصدر: سوليوود