The Creator والخوف غير المبرر من الذكاء الاصطناعي
محمد سيد ريان
يبدو طبيعيًا أن يظهر أحد الأفلام في عام 2023 ليتناول قضية الذكاء الاصطناعي وتأثيره على البشر، فقبل أشهر من هذا العام كانت الانطلاقة الكبرى لأبرز التقنيات التي تعتمد على الابتكار في مجالات الإبداع البشري الخلاقة ومنها ChatGPT وMidjourney وإتاحتها على نحو غير مسبوق لعامة المستخدمين على الإنترنت، حيث يركز التطبيق الأول على ملكة التأليف والخيال المرتبطة طوال القرون الماضية بالإنسان وحده، بينما يركز التطبيق الثاني على الفنون التشكيلية والمصورة المبتكرة، وهي أيضًا ميزة يتباهى بها بنو الإنسان.
فيلم المبتكر أو The Creator يناقش القضية بطريقة مبتكرة كما هو الحال مع اسمه، في القصة التي شارك في كتابتها، جاريث إدواردز، وهو المخرج للعمل ذاته، وتبدأ على بعد 40 سنة من الآن، وتقريبًا كما يطرح الفيلم في ذروته عام 2065، حيث تقوم حرب عظمى بين البشر والروبوتات.
فعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي كان في البداية مساعدًا ذكيًا ومريحًا للإنسان يحقق ما يطلبه بسهولة سواء في الأعمال التقليدية أو المعقدة مما أدى إلى الاعتماد عليه في الخدمات المدنية والعسكرية؛ فسرعان ما نفاجأ بحدوث انقلاب حسب أحداث الفيلم تمثل في إلقاء الروبوتات لرأس نووي على لوس أنجلوس. ولكن ما يطرحه الفيلم لهؤلاء الآليين ليس الشكل المعتاد للذكاء الاصطناعي الذي يكون على هيئة آلات معقدة الصنع مرتبطة بأسلاك وشكل اصطناعي غير محبوب وحركة منتظمة مملة تتم وفق الأوامر المحددة، لكن هذه المرة نجد ظهور جيل جديد، أو لنقل بشكل أدق جنس جديد على هيئة محاكي «Simulator» يشبه البشر تمامًا ويصعب تمييزه عنهم.
ربما الاختلاف الجذري في الحبكة الدرامية للفيلم تكمن في ظهور السلاح الجديد الذي هو على شكل طفلة اصطناعية، ولكنها أقرب ما تكون للهيئة البشرية حتى في عواطفها ومشاعرها، وتستطيع الطفلة «ألفي» أن تحقق كل السيناريوهات المظلمة التي نخشى منها جميعًا، فهي تتطور بشكل سريع جدًا وتتحكم في أي تقنية في العالم، بالإضافة إلى قدرتها على تشغيل المركبات ومصادر الطاقة وغيرها.
يبدو الفيلم أكثر إثارة من ناحية المؤثرات السمعية والبصرية والإنتاج الضخم بشكل يبدو أكثر تميزًا منذ أفلام الماتريكس التي طرحت القضية أواخر التسعينيات من القرن العشرين، فالأمر الآن أصبح أكثر قربًا مع ازدياد استخدامات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في كافة المجالات ويجعلنا أكثر وعيًا بما سيحدث.
لا يخلو الفيلم من قصة رومانسية محورية تجمع بين تايلور «جون ديفيد واشنطن» الضابط في الجيش الأميركي، ومايا «جيما تشان» المتعاطفة مع الروبوتات والداعمة لها، ويظهر من خلالها جانب آخر من الصورة وهي أن الروبوتات ليست سيئة وأنها محبة للبشر، وأن التفجير الذي حدث بلوس أنجلوس لم يكن إلا نتيجة خطأ بشري وليس من صنع الذكاء الاصطناعي.
يطرح الفيلم القضايا المهمة التي تشغل المتخصصين حاليًا في مخاطر الذكاء الاصطناعي بصورة أكثر ذكاء، فتبدو قضية أخلاقيات البحث العلمي والتعامل مع منتجاته ملحة، ولكن بشكل ذي اتجاهين: فمن ناحية يجب الحديث عن أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتنا الحالية، وأيضًا من الناحية الأخرى ينبغي قياس تأثير ذلك في حالة إنتاج كائنات يتم تغذيتها بأفكار ومشاعر وانفعالات.
على الرغم من ملاحظاتي على أداء بعض الممثلين الذي كان يمكن أن يكون أكثر قوة ومناسبة لطبيعة الفيلم، فإن الأداء الأكثر قوة كان من نصيب الطفلة «مادلين يونا فويلز» التي استطاعت تجسيد شخصية السلاح القادم بصورة مذهلة دون تكلف.
ويبقي الأمل في أن الخوف من الذكاء الاصطناعي مرهون بمدى تعاملنا مع أدواته، فما بين السعي لتقدم ملموس للبشرية بمساعدة الآلة الذكية، وما بين التخوف من سيناريو أسود لمجموعة من الآلات تحكم وتتحكم في المستقبل، يظل الطريق الثالث والرهان على الاستخدام الواعي من جانبنا لمثل تلك التقنيات.