سينما أحمد مراد.. دهشة الرموز والتاريخ
تيسير قوايد
تختلف الحبكة السينمائية عن تلك الأدبية، فالسرد السينمائي يعتمد على الصورة والمؤثرات البصرية والفنية والأصوات، وهو ما يضيف سحرًا وبُعدًا مختلفًا للعمل؛ بينما يعتمد الكاتب الروائي على الكلمات والعبارات لإيصال الأحداث والمشاعر والتفاصيل الدقيقة. ومن هنا، كان التباين الواضح بين السرد السينمائي والسرد الأدبي، ولسنوات طويلة اعتمد المخرجون على الروايات الأكثر مبيعًا والأقوى قبولاً لدى النقاد لتحويلها لعمل سينمائي مثل: روايات نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس ويوسف السباعي، فقد كانت رواياتهم تتسم بالقوة الأدبية النخبوية والعمق الفلسفي والفكري، مما يجعلها وجبة دسمة ومغرية للمخرجين والمنتجين لإعادة تقديمها مرة أخرى بشكل بصري لتصل لجمهور أوسع.
في العصر الرقمي والتكنولوجي الحالي والسريع اختلفت ذائقة الجمهور ونوعية القراءات المفضلة، وأصبح «البيت سيلر» يخضع لمعايير وذائقة معينة حتى ولو لم يرضَ عنهم النخب أو النقاد. السنوات الأخيرة شهدت صعود الرواية العامية وعلى رأسها الكاتب والسينارست أحمد مراد، الذي يتربع على قائمة الأفضل مبيعًا لدى المكتبات الأدبية، وترشح للعديد من الجوائز الأدبية وعلى رأسها جائزة البوكر.
ورغم ضعف الكتابة الأدبية، فإن الحبكة الدرامية والاعتماد على التشويق المستمر والخوض في أعماق مجهولة من قصص القتل والرعب في القصص الغرائبية، دفعت فضول شباب القراء لتفضيل كتاباته رغم ركاكة الكلمات، كما أغرى المخرجين على تحويل أول أعماله رواية «فيرتيجو» إلى عمل درامي من بطولة هند صبري عام 2012 ليلقى نجاحًا جماهيريًا. ثم توالت الأعمال، فتم تحويل رواية «تراب الناس» لفيلم بنفس العنوان من بطولة أسر ياسين ومنة شلبي، ورواية «الفيل الأزرق» التي تعد فارقة في تاريخها الأدبي، حيث حققت نجاحًا كبيرًا ترشحت على إثره لجائزة البوكر عام 2014، تحولت بعدها لنجاح سينمائي حمل نفس الاسم من بطولة كريم عبدالعزيز، أعقبه صدور الجزء الثاني من الفيلم، ثم فيلم «الأصليين»، وأخيرًا فيلم «كيرة والجن» عن رواية 1919.
يبدو أن مراد فهم جمهور اليوم وما يحتاجونه من سياق درامي يعتمد على السرعة في الإيقاع والحبكات المختلفة والدخول لمناطق شائكة وغريبة تثير عقله وفضوله، فالحبكات القديمة لم تعد تليق بمتلقي عصر السوشيال ميديا والتكنولوجيا والانفتاح الثقافي العولمة، الذي جعلته يطلع على مختلف الثقافات فأصبح من الصعب إرضاؤه، فنجده في فيلم «الفيل الأزرق» يدخل عوالم النفس والعقل اللاوعي واللعب عليه وتفكيكه وإعادة تركيبة مرة عبر رمزيات غريبة مثل: الفيل الأزرق والبحر والغجر والمراية، فالوصول إلى أعمق نقاط الخوف والظلام الداخلي والكتابة عنها، يفكك كل المخاوف، وهي الاستراتيجية التي ينصح بها صغار الكتاب للوصول إلى كتابات مختلفة وحبكات قوية تساعدهم على الخروج من حالات الاكتئاب والتعبير عن الجزء المظلم داخلنا.
حتى الزمن الحالي والكتابة عنه لا يغريه، فهو يحب التحرك للخلف دائمًا، وفي بعض الأحيان يرجع بعيدًا مستمدًا من الحكايات الشعبية والتاريخية والتراثية مادة لتناول حكايات بأسلوب معاصر يعتمد على الإبهار بأقصى ما يمكن، وهو ما نجده واضحًا في فيلم «الفيل الأزرق» بجزأيه وهو ما شجعه للتحضير للجزء الثالث، وأيضًا فيلم «كيرة والجن»، لكن يبدو أن الماضي لم يعد يغريه، فيحرك عجلة الزمن للمستقبل ليخرج لنا برواية «موسم صيد الغزلان» التي تدور أحداثها عام 2061 ويتم التحضير لها الآن لتتحول لعمل سينمائي هي الأخرى وترشح لها الفنان أحمد عز ليقوم ببطولته.
إذا كنت من متذوقي الأدب القديم، فلن تستطيع أن تستسيغ روايات أحمد مراد، ولن تملك القوة لقلب صفحات رواياته رغم الضجة المثارة حوله. أما إذا كنت من محبي القراءة السريعة الأقرب للعامية المصرية وكأنك تقرأ منشورات طويلة على وسائل التواصل الاجتماعي، فلن تجد حرجًا في قراءة رواياته. أما إذا كنت تحب السينما المختلفة المبهرة في التصوير والإخراج والقصص المشوقة المحبوكة، فبالتأكيد ستجد ضالتك في أفلام السيناريست أحمد مراد.