ماذا سيحدث لاحقًا؟
مشاعل عبدالله
استقبلت صالات السينما السعودية، الأسبوع الماضي، فيلم what happens later، وهو من بطولة ميغ رايان وديفيد دوشوفني. الفيلم الذي تعود فيه ميغ رايان بعد غياب عشرين عامًا للأدوار التي تألقت فيها وأحبتها الجماهير وعبرت عن مخاوفهم وتساؤلاتهم وإحباطاتهم، وهي الأفلام الرومانسية الكوميدية التي دومًا ما كانت رفيقة لليالي الشتاء وبداية علاقات الحب الوردية أو نهاياتها التي دومًا ما كانت رحلة لمعرفة الذات قبل الآخر والبحث عن أجوبة لأسئلة لا تنتهي، مثل: هل يمكن للنساء والرجال أن يكونوا أصدقاء؟ كما عبرت عنه ميغ في فيلم When Harry Met Sally، الذي يعتبر من علامات السينما الأميركية الرومانسية في نهاية الثمانينيات، أو هل الحب قدر أم قرار؟ وهل نستطيع الهرب منه مثل ما حدث في فيلم sleepless in Seattle، الذي أنتج عام 1993؟ أو هل نستطيع استعادة الحب الهارب أو الضائع مثلما حدث في فيلم French Kiss، الذي أنتج عام 1995؟ أو هل من الممكن أن تحب من يختلف عنك، منافسك في أحب الأشياء إلى قلبك مثل ما حدث في فيلمFrench Kiss ؟ ولأن الإنسان مخلوق تواق للحرية حتى في أسئلته، فأسئلة الحب ليست محصورة على الحاضر، فهل يمكن لشخص من الماضي يحب سيدة تعيش في الحاضر وتستمتع بكل تفاصيله كما حدث في فيلمKate & Leopold ، الذي أنتج عام 2001 وكان خاتمة تجربة ميغ رايان في مجال الأفلام العاطفية، ولكنها استمرت في تمثيل الأفلام وخاضت تجربتها الإخراجية الأولى عام 2015 في فيلم Ithaca.
يطرح فيلم ميغ رايان الجديد فكرة ماذا لو حصلنا على الإجابات الحقيقية لفشل العلاقة بعد عشرين عامًا، كيف سننظر لذواتنا والآخر وما حققناه خلال هذه السنوات؟ هل هذا القرار هو ما كنا نريده ونسعى إليه فعلًا؟ يتناول الفيلم قصة لقاء حبيبين سابقين جمعتهما ظروف المناخ في لقاء غير مخطط له، حيث تضرب عاصفة ثلجية شديدة مطارًا محليًا مما يؤدي إلى تعليق الرحلات. ينقلنا الحوار بين مشاعر متعددة برتم بطيء، فتارة نشعر بالغرابة بينهم والتوتر والحب والشوق والندم. من خلال الحوار نتعرف على شخصياتهما وما حققاه خلال السنوات الماضية، وأيضًا نكتشف السبب الحقيقي لنهاية العلاقة، فكما قالت رايان في الفيلم هناك سبب نقوله لأصدقائنا وسبب نقوله لشريكنا وسبب حقيقي لا نبوح به. تبدو رايان من سياق الحوار هي الشخص المهجور الذي تُرك بدون إجابات، لكنها كانت على يقين أن الحياة ستجمعها به وستتاح لها فرصة الحديث والاستماع. أيضًا من خلال الحوار يراودنا أمل خفي أن هناك بوادر عودة وتصحيح للأخطاء.
ربما هذا الفيلم من الأفلام القليلة التي تركتني على مقربة من الحياد تجاهه، فلم أستطع امتلاك مشاعر واضحة بالانحياز له أو ضده. في أوقات كثيرة خلال الفيلم كنت منحازة للقصة والحوار الذكي والتفاصيل، وفي مشاهد معينه كنت أشعر أن هناك فجوة بيني وبينه، خصوصًا في المشاهد التي تبدو غير واقعية مثل خلو المطار من المسافرين والموظفين، فلا يعقل أن يكون هناك مطار لا يحوي غير شخصين، أو مثلًا مشهد وجودهم في البار الخالي من النادل. إعلانات النداء والتعليقات الصوتية لموظف المطار أضافت حسًا ساخرًا لأجواء الفيلم، وبذات الوقت كانت سببًا للتشتت، فأنت لا تستطيع تحديد هل الفيلم يحمل لمسة فانتازيا ساخرة. هذه التفاصيل غير المنطقية تحتاج إلى تبرير في سياق الفيلم حتى تكتمل الصورة.
تزامن طرح الفيلم مع الخريف هو اختيار ساحر وموفق، لأن دومًا ما ارتبط فصل الخريف بحكايات الحب على الشاشة والمشاهد الساحرة للشوارع الفسيحة التي تكسوها الأوراق المتساقطة. تبدو ميزانية الفيلم متواضعة لأن الأحداث تدور في مكان واحد. ودومًا ما تشكل هذه النوعية من الأفلام تحديًا لصناعها، فكيف يستطيع التحكم بانجذاب المشاهدين نحو مكان واحد بأحداث مختصرة وشخصيات محدودة.
إن كنت من الأشخاص الذين يهتمون بالحبكة والمؤثرات، فهذا الفيلم حتمًا ليس لك، ولست من قائمة المشاهدين المستهدفة. طرحت ميغ رايان على ديفيد سؤالاً عن وجهته حينما التقت به في المشاهد الأولى وحينما أجابها أنه ذاهب إلى أوستن، بعد ذلك سألته «are you on trip or a journey»، وفي حال راودك الفضول لمعرفة الإجابة، فهذا الفيلم هو حتمًا لك؛ لأن الفيلم مهتم بالحوار الذي يلمس الجوانب الإنسانية وتأثير التجارب على الأفراد. لأنك ستجد في هذا الفيلم ما يروي هذا الاهتمام والفضول، خصوصًا أن هذا الفيلم يتطرق إلى أثر العلاقة بعد مضي زمن عليها، مما يسمح باتساع الرؤية وردم أي فجوات. كما يعبر عن هموم الأشخاص العاطفية في منتصف العمر، وسيبدو أثر الزمن واضحًا على صورة ميغ في ذاكرة المشاهدين مما يمنح الفيلم مصداقية لأننا عرفناها في هذه الأدوار.
يبدو إهداء الفيلم للكاتبة والمخرجة الراحلة نورا إفرون بمثابة اعتراف وتقدير لجهودها في هذا المجال من الأفلام التي ترك رحيلها أثرًا واضحًا في استمراريتها.