كبسولات سينمائية لفيلم: “عيَّاض في الرياض”
غفران قسَّام
1– سينما وطنية: عياض في الرياض
“عيَّاض في الرياض” فيلم ينشر السعادة! كُتبت مادته السينمائية بعفوية لغة الحوارات المحلية، وسلاسة العرض في الحكاية التي جمعت بين الطرافة والغرابة. فأمَّا الطرافة، ففي شخصية البطل عياض، ومظهره الذي أثر في مُجريات حياته الاجتماعية والمهنية أيضًا. ولأن السينما فن الدواخل فهو سيتحدث عنها بأسلوب بصري عبر أحداث البطل التشويقية وفق ركيزة كوميدية في مظهر البطل المختلفة التي صنعت الحدث في الفيلم. وأمَّا الغرابة، فقد ظهرت في حكاية ابنة المدير العائدة من السفر بكل حمولاتها الغربية عن: العائلة، والمهنة، وارتباطها بالرجل، ورغبتها في إدارة شركة الألبان وفق ما تعلمته في الخارج عن إدارة المصانع لا كما تدربت مهنيًا في الشركة. ثم تعقدت الأحداث مع ظهور البطل في منزلهم، ورغبة البطلة أن ترتبط به لغرض بحثي علمي للتوثيق! غير مكترثة بخصوصية العلاقة بينها وبين زوجها؛ طمعًا في إثبات فرضياتها، لكنها أخطأت التقدير وتراجعت نهاية الفيلم معتذرة من البطل الذي اكتشف نواياها معه.
2- ميلودراما “Melodrama” أنا ودادي
«هاي دادي”! تحية ابنة المدير العائدة من أميركا لوالدها في الرياض، والتي استفتح المخرج بها المكان داخل العمل السينمائي وفق فنية الميلودراما، وهي نوعٌ من السرد القصصي يركِّز على المحتوى العاطفي المؤثر بين الأب وابنته، وغالبًا ما يتمايز مع تلك الفنية قيم الأحداث بين الخير والشر. فالخير هو في المحافظة على أصول وتقاليد مجتمع الرياض عاصمة الثقافة العربية والإسلامية؛ والشر في تطبيق النظريات الغربية في المهنة والأسرة دون التأكد من ملاءمة تطبيقها. «دادي» كلمة يضبط بها المخرجُ انتقالاته التحولية في الأحداث بأسلوب كوميدي، كقرار زواج ابنة المدير من البطل فجأة، ومغادرة البطل العاصمة بعد اكتشافه سبب ارتباط ابنة المدير به واستيائه من ثقافة استغلالها له. كما صنع بها المخرج أُفق المكان داخل العمل السينمائي سواء في بيئة العمل أو البيت أو الطرقات، ويشتمل على: الأحداث، والعلاقات، والوظائف التي يجمع المُخرج السينمائي شتاتها برؤيته الإخراجية.
3- لقطات “Shots” سينمائية
قدَّم الفيلم لقطات بصرية سينمائية لمكان العاصمة بأبرز معالمها الحضارية: طريق الملك فهد، والأبراج، وأماكن الترفيه… وغيرها. واستخدم المُخرج اللقطة التأسيسية «Establishing shot» في افتتاحية الفيلم للقطة القرية ومزارع النخيل الوارفة المُشمِسة؛ لتوجيه المشاهد إليها أولاً وليؤسس أصالة الهوية الوطنية تجاه الأرض أنها تبدأ من هنا. ويشير النقاد إلى أن فنية اللقطة – بمختلف أنواعها – يظهر فيها ذلك الخلق في العلاقات المتزامنة بين حركة الشخصيات في المكان، وحركتها في الزمن. فيلاحظ أن اللقطة تعتني بربط أربع حركات أساسية، هي: حركة داخل المزارع ورعي الماشية؛ وحركة المزرعة أو حظيرة الماشية؛ وحركة الصوت المرافق داخل اللقطة؛ ثم مونتاجها بأسلوب تسلسلي سردي. لهذا، يمكن ملاحظة عامل التشويق بين اللقطات السينمائية في الفيلم؛ بسبب تلك العلاقات الوطيدة في الحركة، إضافة إلى جودة الحبكة في الحكاية. أمَّا مع مرحلة انتقال البطل الأول للعاصمة لأجل البحث عن فرص العمل فيها، فيستخدم المُخرج لقطة بانورامية أفقية «Panning shot «Or pan، تدور فيها الكاميرا على محورٍ لليمين أو اليسار بنحوٍ أفقي. وربما تشير إلى إيحاء التحديات التي سيواجهها البطل في العاصمة أثناء مساره فيها كإخفاقات المقابلات الشخصية، ثم ارتباطه بالبطلة التي قصدت توثيق تجربتها معه برسالة علمية: كيف ستحول رجلاً فاشلاً إلى رجل ناجح لأنها وراءه! ثم إدارته لشركة الألبان وإنقاذها من العجز… وغيرها من دورانه في مساره المعيشي الذي لم يكن على وتيرة مستقرة مما أشعر البطل بحنين العودة إلى أيام قريته وجواره والدته.
ورغم أن تحديات البطل – اعتيادية – عن الزواج والمهنة، فإنها تبدو مختلفة في الفيلم؛ لأن المخرج أعاد استعمالها سينمائيًا لاختياره مكانين مختلفين: العاصمة والقرية. ولعل تلك الرؤية نقلت ثقافة المملكة إلى العالمية، لأنها اشتغلت على ثيمات إنسانية مشتركة بين الشعوب لكن بإطلالة سعودية: لغة ومكانًا، ولباسًا، وأحداثًا؛ مما ساهم في رفع نسبة مشاهدة فيلم “عيَّاض” للمرتبة الثالثة في المنصات الإلكترونية وصالات العرض. وفي سياقه، ذكر المُخرج أهمية العمل وخصوصيته في جمعه بين كوادر إماراتية وسعودية، فهو من إخراج وإنتاج إماراتي لكن التنفيذ لكوكبة مميزة من الممثلين في السعودية. ويمكن تصنيف فيلم “عيَّاض في الرياض”، بأنه كوميدي اجتماعي وجماهيري، من إخراج: راكان، الذي ضمن عدة رسائل وطنية ظهرت في صوت الخال، وصوت أحد المقيمين وفاءً وامتنانًا بعد ربع قرن من مجاورته.
*باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما
المصدر: سوليوود