آراء

جوائز البحر الأحمر.. “بتتذكري” يستحق الذهب

محمد عبدالرحمن

الفيلم القصير كالقصة القصيرة يعتمد على تكثيف يجبر المتفرج على تأمل كل تفصيلة لأنها تقول الكثير، قاعدة تنطبق بشدة على الفيلم اللبناني المصري الفرنسي “بتتذكري” لداليا نمليش، الفائز بجائزة اليسر الذهبي لأفضل فيلم قصير من الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.

هل صحيح أن مريض ألزهايمر ينسى كل شيء؟ من هذا السؤال المعضلة ينطلق الفيلم، من المشهد الأول نتأكد أننا أمام مخرجة ومؤلفة غارقة حتى النخاع في قصة فيلمها. الابنة تتأكد من أن الأب الخرف متيقظ، تكلمه بحنو فيما ردات فعله باهتة، ليختلف الأمر تمامًا عندما تمسك الزوجة بيد إلياس بطل قصتنا، ردة الفعل أكدت أننا أمام علاقة حب فريدة تتحدى الزمن والنسيان.

نحن أمام رجل في دقائقه الأخيرة، لكنه يتمسك بأن تتذكره زوجته بعد وفاته، نعيش تخاطرًا بين عقل الزوج وعقل زوجته، رفيقة مشواره، نراهما شبابًا ثم شيوخًا، والعكس قبل أن تخلط المخرجة مرحلة الشيخوخة بأيام الحب والانطلاق، وهو ما عكسه بوستر الفيلم بوضوح؛ بوستر قد يهيأ لمن يراه دون دخول قاعة العرض أننا أمام فيلم عن قصة حب شاب بسيدة عجوز، لكن في «بتتذكري» الشابين صارا عجوزين لكنهما قررا تحدي الزمن والمستقبل في آن، وكأنهما يؤسسان لعلاقة أبدية تتعامل مع انطفاء الزوج باعتباره مجرد محطة كمحطات عدة مرا بها، ربما لهذا لم تفاجأ الزوجة عندما صرخت الابنة تطلب الإسعاف، شعرت بألم ورأت نفسها وحيدة لكن صوته كان يتردد في عقلها، وصيته بأن تظل «تتذكري» وخوفه الشديد من أن تمحيه، كان يكلمها في لحظات التخاطر بما لا يستطيع أن يفعله في الواقع بسبب ما ألم به من تدهور جسدي.

حسنًا فعلت المخرجة داليا نمليش باستخدام اللقطات المقربة في كل مشاهد الأب الهرم، لتعكس كيف أن الرجل يعيش في مساحة ضيقة للغاية، وينفتح الكادر عندما يعودان بالذاكرة للوراء، حيث ما جرى في اللقاء الأول، حفلات الشباب والحب والخوف من الحرب، مشاهد حميمية لم يفلح ألزهايمر في محوها من ذاكرة الزوج، وظلت معه حتى توفي، لم يصرح بها علانية لكنها وصلت إلى عقل زوجته التي كانت تستمتع له طوال الوقت لا تشعر بمن حولها، حتى الابنة القلقة على والدها المهتمة برعايته صحيًا، فيما الأم في عالم آخر لا يشاركها فيه أحد إلا رفيق العمر.

لفت انتباهي بشدة عدم ظهور وجوه الضيوف والاكتفاء بأصوات حواراتهم التي عكست أمرين: الوضع اللبناني الحالي بالتركيز على وجه واحد من المعاناة وهو شراء الخبز، والأمر الثاني أن أصحاب البيت انفصلا عن الواقع وكأنهما غير موجودين، فلحظات الوداع والتخاطر الذهني بينهما كان الأهم، تحدث الزوج لزوجته عن الحرب عن معاناة جيله مع القصف، فيما الضيوف يتحدثون عن معاناة اقتصادية حديثة، لتوثق نمليش معاناة الأجيال المتتالية بحساسية مرهفة ودون التأثير على الموضوع الرئيسي للشريط.

فيلم «بتتذكري» يستحق الجائزة الذهبية، ويستحق أن يراه الجمهور على نطاق أوسع، الفيلم من إنتاج محمد تيمور ومارين فايان، وبطولة: سهام حداد، وزافين باركليني، وإيتيان عيال، وتمارا خوري، ودانا ميخائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى