آراء

روحانيات الإنشاد والأغانى الدينية

حازم صلاح الدين

الإنشاد والأغنية الدينية دائما يتصدران قائمة الأولويات عند المستمعين فى المناسبات الدينية مثل شهر رمضان الكريم أو ذكرى ميلاد نبينا الحبيب محمد، صلى الله عليه وسلم، ربما لأنها تمنحنا روحانيات تجعلنا نشعر بالراحة، فمن المعروف أن الأغنية الدينية هى موروث تراثى إسلامى، وحينما ينشد المطرب أو المنشد بها فيشعر هو الآخر بارتياح روحانى ليس له وصف ويتفاعل معه الجمهور.

ربما لجوء بعض المطربين إلى الغناء الدينى فى السنوات الأخيرة، على اعتبار أنه أصبح من وجهة نظرهم «موضة»، خاصة عندما يكون هناك مناسبة دينية يعيشها الناس، أو وسيلة للبعض من أجل رسم صورة معينة لأنفسهم عند المحيطين بهم ومحو صورة أخرى لا يحبون إظهارها، ورغم ذلك فإنها موضة ليست سيئة، ويجب أن نشجعها لأنها تقدم غناءً هادفاً له قاعدة جماهيرية عريضة تشجعه، ثم إنه بالتأكيد أفضل من ألوان أخرى لوثت سماء الفن الجميل، ولعلها فرصة لكى ننظف آذاننا مما نسمعه حالياً من غناء يفسد الذوق والوجدان.

عند الرجوع بشريط الذكريات، سنجد أن الأغنية الدينية فى مرحلة ما بعد الإنشاد الدينى الذى ظهر فى العصور القديمة، كانت تعتمد على المدائح النبوية بعدما أخذ الملحنون فى بداية القرن الماضى الذى شهد انطلاقة الأغنية الدينية الملحنة، فبدأ واحد من الرواد وهو الشيخ أبو العلا بتلحين القصائد الكبيرة التى غنتها أم كلثوم فى بدايتها، وكذلك لحن الشيخ زكريا أحمد لنفسه قصيدة ابن الفارض وبعض قصائد شوقى وادخل عليها العود والكمان والقانون والناى وكانت أهم قصيدة لحنها هى «يا نبياً سمت به العلياء»، ثم راح يلحن للمطرب إبراهيم حمودة وفتحية أحمد وغيرهم الابتهالات الدينية، وهو ما يؤكده المؤرخ الفنى يعقوب وهبى فى كتابه «الأغانى فى الأفلام»، مشيراً إلى أن أم كلثوم كانت أول من تجرأ على استخدام التخت الشرقى فى الغناء الدينى بالاتفاق مع محمد القصبجى عام 1926، حين قدمت أغنية «نورت يا رمضان» أول أغنية شعبية دينية تسجل على أسطوانات، ما دفع السنباطى إلى تلحين أول أغنية دينية فى مديح النبى «امتى نعود يا نبى» والتى لاقت نجاحاً كبيراً، وغيرها من الأغانى الشهيرة التى تم إنتاجها قديما، وفى التاريخ الحديث للأغنية هناك العديد من التجارب التى شهدت نجاحاً ملحوظًا ومنها ما كان عبارة عن سبوبة فقط.

الاتجاه إلى الغناء الدينى كان ثمة تميزت بها العصور على اختلافها، كما أشرت أعلاه، وأيًا كانت الأسباب التى دفعت نجوم الطرب الحديث إلى هذا الاتجاه على فترات متباعدة مؤخرًا، فإنه يبدو أمرًا صحيًا ومكملًا لحلقات التطور الطبيعى على مر الزمان، ومحققًا لرغبات الجميع، سواء مطربين أو جماهير، لإشباع النزعة الدينية أو الصوفية فى الوجدان، ففى السنوات الأخيرة بدأت الأغانى الدينية تستعيد قوتها، بعد أن لجأ مطربون كثيرون إلى ضفاف الغناء الدينى، فقدم مثلًا محمد منير تجربته المتميزة «مدد يارسول الله»، وهو لم يكن يسعى إلى فرقعة إعلامية، بل بدا صادقًا وواعيًا ولعل هذا ما ساهم فى نجاح تجربته التى وصفها «منير» نفسه حينذاك بأنها تجربة ضرورية على أكثر من مستوى، فهى كانت تشكل له على الصعيد الشخصى تجربة ملحة ليس فقط لأنه فنان يسيطر عليه هاجس التجديد فى مشروعه الفنى، ولكن أيضًا لأنها تحقق لديه النزعة الصوفية، كما أنه راعى فيها التركيز على أن الدين الإسلامى هو دين يدعو إلى التسامح والسلام.

وهناك تجربة أخرى ناجحة للمطرب هشام عباس من خلال تقديمه «أسماء الله الحسنى» التى صارت الأشهر عند الجماهير المصرية التى لا يبدأون حفلاتهم أو مناسباتهم المفرحة إلا بها، وضمت الأغنية الدينية أيضًا بين دفتيها العديد من نجوم الطرب مثل هانى شاكر وعلى الحجار ومحمد ثروت وإيمان البحر درويش ومدحت صالح  وعمرو دياب ومحمد فؤاد ولطيفة وأصالة وأحمد إبراهيم وتامر حسنى وحمادة هلال وآخرين.

قد تكون التجارب الأخيرة ليست تجارب رائدة أمام التجارب السابقة لرواد الغناء العربى الذين خاضوا التجربة أيضًا بدءًا من سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم، ومرورًا بعبدالحليم حافظ ومحمد فوزى وفايزة أحمد ونجاة وغيرهم، إلا أن وجودها فى حياتنا أمر ضرورى جدًا.

ختامًا، الإنشاد والأغاني الدينية هي جواز سفر لقلوب المستمعين، ومن هنا يجب أن يحمل هذا الاتجاه بين طياته معنى ورسالة موجهة وليس مجرد لون جديد يلهث وراءه المطرب ليثبت لجماهيره أنه متنوع ويجيد جميع الألوان الغنائية، خصوصًا أنه الفن كما هو معروف رسالة هدفها توصيل الأحاسيس إلى الناس، ففى الغناء العاطفى مثلاً يبعد عن إثارة الغرائز، وفى الغناء الوطنى يحث على الجهاد والشجاعة، وفى الغناء الدينى يظهر الروحانيات والسلوكيات الإيجابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى