آراء

مهاويس “التريند”

دينا شرف الدين

قد يعتقد البعض بأنني أبالغ في التركيز والتكرار والتسليط لضوء لا ينطفئ على هذا الموضوع الشائك الذي تحول في غضون سنوات لا تتجاوز العقد إلى كارثة لا تصد ووباء لا لقاح له ولا دواء، ومناخ خصب لخوض الخائضين بأي ملف أو موضوع أو قضية قد تؤثر علي الرأي العام دون مسؤولية أو خطة موضوعة أو حتي معيار للمصداقية.

فالموجة عالية والهوجة مغرية لذوي الأنفس الهشة، وبات التظاهر والتفاخر بين الناس هو الهدف المنشود، حتى وإن كان وهماً على وهم بداخل عالم كبير من الوهم مسمى بالتواصل الاجتماعي قد اختلط به الحابل بالنابل والخبيث بالطيب والكذب بالصدق!

فتحولت معايير الكفاءة ومقومات النجاح لدى الغالبية العظمي من المصريين، وعلى رأسهم بالطبع طبقة المشاهير أو أنصاف المشاهير فى أي مجال إلى مجرد نسب مشاهدة عالية وتريندات على مواقع التواصل المختلفة!

إذ أصبح تصنيف الفنان أو المطرب أو الإعلامي وموقعه علي خريطة النجومية وتحديد أجره، وفرص ترشيحه وفرضه على جمهور المشاهدين المقهورين بناءً علي منزلته الرقمية من حيث التريند والتدوال على تويتر أو جوجل أو يوتيوب!

أما عن تلك المسميات التي تعددت وتنوعت على منصات التواصل المختلفة والتي اتفقت جميعها على اعتماد التفاهة والجذب لأكبر عدد من المتابعين بغض النظر عن هذا المحتوى الذي تأتي أهميته بآخر سطر طويل من الحسابات التي تبدأ وتنتهي لتحقيق هدف واحد دون غيره، وهو الكسب السريع والفرصة التي باتت حلم الجيل بأكمله، و التي بكل أسف قد تحطمت على صخرتها أية طموحات أخرى وتغلقت أمامها سبل تحقيق النجاح الشرعية، إذ أنها الأقرب والأسهل والأربح فى زمن قد اعتمد الركاكة له عنوانا، وتوارت به القيمة والكفاءة إلى أجل غير مسمى.

فمن أسعده حظه واستطاع أن يتقن اللعبة جيداً ويجد مفاتيح أبوابها، فقد انفتحت له أبواب الشهرة والنجومية على مصرعيها دون جهد أو شقا ونحت فى الصخر، كما فعل غيره ممن يمتلكون مقومات النجاح بحق، ويجاهدون سنوات طويلة من أجل الحصول على الفرصة التي تتجلى بها مواهبهم وتخرج للنور عن جدارة واستحقاق.

إذ يفاجأ هذا الذي يستحق بمن لا يستحق قد سبقه بمسافات طويلة وبضغطة زر أصبح من المشاهير، ثم سرعان ما تتهافت عليه جهات العمل والإنتاج المختلفة والتي لم يعد من شروطها الأساسية وفقاً لتطورات الزمن الموهبة أو الجدارة.. ولا عزاء لمعايير الكفاءة التي كانت!

فما علينا:

من أم فلانة وأبو علانة وفتيات التيك توك ونجمات انستجرام والبلوجرز والإنفلونسرز وغيرها من التصنيفات التي اعتلت تلك المنصات.

ولكن:

هناك كارثة أدهي و أمر ، قد أصابت بعض الذين يتم تصنيفهم إعلاميين يظهرون بقنوات فضائية مرموقة ، ليعتمدوا طرق نجوم السوشيال ميديا و يضعون نصب أعينهم هدف واحد و هو موضة العصر الحديث المسماة “بالتريند”.

ذلك أن:

بعض وسائل الإعلام قد باتت غير قادرة على منافسة وسائل التواصل بحجم التأثير وسرعة الانتشار، فقرر بعض الإعلاميين استغلال شاشته التي يطل من خلالها على الجمهور، ليستعرض تفاهات ومحتويات السوشيال ميديا المثيرة، و يتعمد أو تتعمد إطلاق التصريحات المتطرفة والتي تخالف الموجة السائدة التي قد أغرقت المجتمع من التحريض والانقسام، خاصة بقضية المرأة والرجل وما لهم ولهن من حقوق وواجبات ومشكلات وخلافه.

فقد تفاجأت بما أذهلني عندما شاهدت عن طريق الصدفة المذيعة التي استمرأت عملية التصريحات المستفزة لمناصرة الرجل ضد المرأة، و التي قد وضعتها على عرش التريند، فتحولت حلقات برنامجها إلى مادة مستفزة مقززة منفرة من تلك التراهات التي تتسم بشدة السماجة والتقليل من شأن المشاهد، لتظل محط كراهية الكثيرين ما يضمن لها البقاء كسيدة من سيدات التريند المرجو.

نهاية:

فقد أصبحنا فى زمن خفت به موازين القيمة والتميز، وثقلت موازين الركاكة والمنظرة ، وتأذت أعين، وتلوثت آذان، وغُلِقت مدارك، وتراجعت أذواق!

اللهم اكفنا وبلادنا شر الباحثين عن التريندات الساخنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى