فاطمة العدلانيكُتاب الترند العربيمنوعات

كلنا مُدّعون

فاطمة العدلاني

كل ذي مبدأ مُدّعي حتى يُختبر.
هل تعرف نفسك؟ هل تعرف من حولك؟
إذا كانت الإجابة نعم فأنت تحتاج لجلسة نفسية تعرف بها جيدا معنى الصدمات النفسية في البشر حتى لا تعتقد أنك تعرفهم وتكون الإجابة بكل وضوح هكذا “نعم” وبعض الجلسات الأخرى لتكتسب مهارة اكتشاف الذات والتي قد تستمر مع الإنسان للخمسين والستين ولا يعلم حقا كل الأمور عن نفسه فأيضا لا يمكنك أن تقول نعم هكذا بكل وضوح. وكذلك لأن نفسيا تفسير اعتقاد الإنسان بمعرفته بكل شيء عن نفسه ومن حوله إثبات أنه لا يعلم أي شيء.
إذا كانت الإجابة لا فأنت تحتاج لجلسات نفسية لمزيد من الثقة بالنفس في قدرتك على معرفة حتى نفسك وعن من حولك ولو بالقدر البسيط، فإذا كنت تعتقد أنك لا تعرف من حولك مطلقا فأنت شخص يشك في كل أمر حتى كدت تطفو على ثقتك بهم في معرفتهم،
إذا هل الإجابة المتزنة أن نعتقد أننا نعلم من أنفسنا ومن حولنا بعض الشيء أو بنسبة متوسطة؟!
تعال معي في جولة صغيرة عن سيكولوچية البشرية. كل البشر لديهم مباديء ومعتقدات بعضها من النشيء والتربية والبيئة والدين والعُرف وبعضها شخصية بحتة تختلف جذريا حتى لو بين الأخوات مع اتفاق كل السمات السابقة يختلف الأشخاص في معتقدات فردية، كل هذه أمور بديهية للغاية متفقون عليها منذ قرون لكن النقطة الهامة هل كل هؤلاء ذوي مبديء؟!
تسألني ما المقصد! أعني هل كل فرد كما سبق هو ذو مبديء لمجرد اعتقاده أم يلزم أمرا آخر؟!
من يعتقد أنه من المفترض ألا يرتشي شخصا مهما كانت الأسباب والنتائج ليكون شريفا، ومن يعتقد أنه يجب ألا يكون غشاشا مهما كانت الاضطرارات لذلك، ومن يعتقد أنه لا يجب أن يتعدي علي الأمانة مهما حدث، من تعتقد أنها يجب ألا تتخلى عن حجابها ما دامت تحيا،
بالنظر من عدسة سيليسكوب الحياة لكل ذي مبديء وليس فقط ذو مبدأ وكفى بل أيضا من يعتقدون دائما أن الآخرين أوغاد مُعتدون ذوي جريمة مجتمعية وسبب فشل الكون ولو أن أنفسهم كانت قابلة للتكرار لما كان لذلك اللص مكانا ولا لذاك المرتشي والمعتدي مكانا طبقا لما يتسمون بالأمانة والأخلاق والقيم الحميدة، هل اختبرت يوما الحياة مبدأك؟!
السؤال صادم إذا أنت لم تُختبر بعد، وهذا لا يعني حتما أنك ستفشل إن جاءت ورقة الامتحان لكن دعني أُخبرك أنه وبنسبة تقترب من الثلاثة أرباع بل وأزيد يفشل ذوو المباديء مع أول اختبار مع العلم التام أنهم فقط هم وضمائرهم ومحال أن يطّلع فرد آخر على ذلك. فالبشر دائما ما يخافون من نظرة بعضهم لبعض خاصة إن كان معروف مبدأهم من قبل الموقف.
كل ذي مبدأ مدّعي حتي يُختبر
فكما يكون الطالب طالبا حتي يُمتحن وينجح ثم يرتقي لدرجة أعلي هكذا ذو المبدئ مدّعي حتي يثبت ادعاؤه، فالموظف ذو مبديء ضد الفساد والرشوى هو مدّعي حتى تمرض ابنته بشدة ويأتي إليه بعض الأموال عن طريق غير مشروع مقابل التهاون في بعض الأوراق الرسمية تحت يده “هنا يكمن الاختبار” بعدها إما مدعي أو ذو مبدأ.
والطالب الذي قرأ قوله صلى الله عليه وسلم “من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا” ويردد دائما لا للغش وإذا به يصاب بشيء يحيل بينه وبين العلم ثم يأتي الاختبار وإذا به اختبارين في آن واحد حين تكون الأجواء مناسبة جدا للحصول على الإجابات بشكل جيد، هل سيهرول بدرجات ورقية في غضون ساعتين متناسيا مبدأه أم سينجي بضميره ويرتفع قدره في ذاته بمبدأ ثابت يقينا منه أنه نأى بنفسه إلى موضع آخر من القوة!

من تؤمن دائما بحجابها وتحافظ عليه مهما كلفها الأمر هل تظل على نفس المبدأ في بلد غريب خاصة لو كان كل المحيطين بها لا يحافظون عليه أو حبذا إن كان هناك ما أو من يشجعها على عدم ارتداؤه، هل تظل ثابتة على الموقف لأنها ذو مبدأ أم سترضخ طبقا للبيئة المحيطة؟!

المرعب في الأمر أن أُناس ثلاثة أرباع النسبة المئوية التي تحدثنا عنهم سابقا مُدعين المباديء الراسبين في الاختبارات لم يكونوا يعلموا مطلقا أنهم ضمنيا من الراسبين أو سيكونوا من الراسبين، هو لا يتخيل أنه سيقبل رشوى يوما ما ولا يُبرر ذلك مطلقا لأي أحد أو يعذره مهما كانت الظروف وفي الوقت ذاته هو قام بنفس الأمر لإنقاذ ابنته في المشفي بل وربما يعتقد أن مال الرشوى جاء نجدة له، وهكذا كان الاختبار بكل هذا الحبكة وكل هذة البساطة.

إذا دعونا نسأل مجددا ، هل تعرف من حولك؟! هل تعرف نفسك؟!
في واقع الأمر كل منا على ما هو عليه من المباديء حتى الآن لأننا
خدمتنا الظروف هُيأت لنا الأسباب ومُهدت لنا السبل لنكون صالحين ولسنا صالحين بما يكفي فنحن نحن من بيننا الفاسدون، بل أننا نحن صالحون من جهة فاسدون من جهة أخرى لم يسلم أحد من كل الجهات، نحن فقط مستورون من جهة فسدنا أو لم نُختبر بعد.

وإن كُشفت جهة فسد أحدهم يُخالط البقية شعور النفر والتأذي
نحن دائما مخلوطون بأنفسنا الشريرة وإلا ما كنا نرى ما نرى في المجتمع.
ادع الله دائما ألا تُفتتن عن قواعدك، ألا توضع في حيرة من أمرك حتى تتهاون في ما تعتقده وتؤمن به.
“فكل الدرجات واحدة إذا تخطيت فقط الأولى”
وتذكر “الكل حكيم ما دامت القصة ليست قصته”
لا تتعالي بمباديء لم تجتاز اختبارها، أننا لم نُختبر بعد تذكر ذلك جيدا عند التفاخر بمبدأ ما.
“لم تُختبر بعد”، لا تفرط الثقة حد الغرور في قدرتك على اجتيازه، ولا تتحمس للاختبار بكل ثقة لأنه إن أتى يأتي غفلة.
“لا يعلم من يُختبر أنه يُختبر وهو عين الاختبار” .
اسأل الله دائما أن يلهمكم الثبات على الحق وقت الشدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى