الفضة تكسر حاجز التاريخ.. قفزة غير مسبوقة فوق 80 دولارًا تعيد رسم خريطة المعادن النفيسة
الترند العربي – متابعات
في تطور اقتصادي لافت يعكس تحولات عميقة في أسواق المعادن العالمية، تجاوز سعر الفضة حاجز 80 دولارًا للأونصة للمرة الأولى في التاريخ، مسجلًا واحدة من أقوى القفزات السعرية التي يشهدها المعدن الأبيض منذ إدراجه في أسواق التداول الحديثة، وسط مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والصناعية التي أعادت الفضة إلى قلب المشهد الاستثماري العالمي.
هذا الارتفاع القياسي لا يُنظر إليه بوصفه حركة سعرية عابرة، بل كمؤشر واضح على تغير هيكلي في الطلب العالمي على الفضة، وتحولها من معدن ثانوي مكمّل للذهب إلى أصل استراتيجي مستقل يجمع بين القيمة الاستثمارية والدور الصناعي الحيوي في الاقتصاد الحديث.

قفزة تاريخية تعيد تعريف موقع الفضة في الأسواق
تداولت الفضة خلال جلسات نهاية ديسمبر 2025 عند مستويات تجاوزت 82 دولارًا للأونصة، بعد أن لامست ذروة تاريخية عند 83.62 دولارًا، مدفوعة بارتفاع الطلب الفعلي وتراجع المخزونات العالمية إلى مستويات مقلقة، في وقت تتزايد فيه الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية.
وتشير بيانات الأسواق إلى أن الفضة حققت مكاسب تفوق 180% منذ بداية عام 2025، في أداء يُعد من الأقوى بين جميع السلع والمعادن، متفوقة على الذهب والنفط والعديد من الأصول التقليدية، ما أعاد طرح سؤال جوهري حول مستقبلها كأداة تحوط طويلة الأجل.

لماذا ارتفعت الفضة بهذا الشكل غير المسبوق؟
الارتفاع القياسي للفضة لم يكن وليد عامل واحد، بل نتاج تداخل عدة متغيرات استراتيجية، يأتي في مقدمتها تصنيف الفضة ضمن قائمة المعادن الحرجة في الولايات المتحدة، وهو تصنيف يمنحها بعدًا أمنيًا واقتصاديًا يتجاوز كونها معدنًا ثمينًا.
إلى جانب ذلك، أدى التوسع العالمي في قطاعات الطاقة المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية، إلى ارتفاع الطلب الصناعي على الفضة، حيث تُعد عنصرًا أساسيًا في صناعة الألواح الشمسية والدوائر الإلكترونية الدقيقة، فضلًا عن استخدامها في السيارات الكهربائية والرقائق الذكية.
كما لعبت التوترات الجيوسياسية العالمية، وتزايد المخاوف من اضطرابات الإمداد، دورًا محوريًا في تعزيز الإقبال على الفضة بوصفها أصلًا ملموسًا أقل عرضة للتقلبات السياسية مقارنة بالعملات والأسهم.

الفضة بين الاستثمار والصناعة.. معادلة جديدة
بعكس الذهب، الذي يُستخدم غالبًا كأداة تحوط وملاذ آمن، تمتلك الفضة طبيعة مزدوجة تجمع بين الاستثمار والاستخدام الصناعي، وهو ما يمنحها قوة إضافية في فترات التحول الاقتصادي.
الطلب الصناعي وحده يستهلك أكثر من نصف الإنتاج العالمي للفضة سنويًا، ومع تسارع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، يتوقع محللون أن يقفز هذا الطلب إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يضع السوق أمام معادلة اختلال بين العرض والطلب.
في المقابل، يعاني جانب العرض من تحديات حقيقية، إذ تشير تقارير التعدين إلى أن معظم مناجم الفضة حول العالم وصلت إلى ذروة إنتاجها، مع ارتفاع تكاليف الاستخراج وتراجع الاكتشافات الجديدة، ما يُنذر بفجوة هيكلية طويلة الأمد في المعروض.

مقارنة مع الذهب.. هل تغيّر ميزان القوة؟
في الوقت الذي حلّقت فيه الفضة، شهد الذهب تراجعًا طفيفًا في المعاملات الفورية ليستقر قرب 4527 دولارًا للأونصة، بعد تسجيله مستوى قياسيًا في جلسات سابقة، ما يعكس تحولًا نسبيًا في شهية المستثمرين.
ويرى خبراء أن هذا التباين لا يعني تراجع دور الذهب، بل يعكس انتقال جزء من السيولة الاستثمارية نحو الفضة، باعتبارها أصلًا أقل سعرًا نسبيًا وأكثر قابلية لتحقيق مكاسب مضاعفة في دورات الصعود.
كما أن نسبة الذهب إلى الفضة، التي تُستخدم كمؤشر تقليدي لتقييم القيمة النسبية بين المعدنين، شهدت تراجعًا حادًا، ما يعزز فرضية أن الفضة تدخل مرحلة إعادة تسعير تاريخية.

السياسة النقدية الأمريكية وتأثيرها على الفضة
لعبت توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية دورًا أساسيًا في دعم أسعار الفضة، إذ يؤدي انخفاض الفائدة إلى تراجع جاذبية الأصول ذات العائد الثابت، ويدفع المستثمرين نحو المعادن النفيسة.
ومع تزايد الرهانات على توجه الاحتياطي الفيدرالي نحو مزيد من التيسير النقدي خلال 2026، تزداد جاذبية الفضة كأداة تحوط ضد التضخم وضعف الدولار، خصوصًا في ظل مستويات الدين القياسية التي تسجلها الاقتصادات الكبرى.
الفضة في 2026.. إلى أين يتجه السعر؟
تتباين توقعات المؤسسات المالية بشأن مستقبل أسعار الفضة، إلا أن غالبية التقديرات تتفق على أن المعدن الأبيض لم يبلغ ذروة صعوده بعد.
بعض البنوك الاستثمارية ترجّح وصول الفضة إلى نطاق يتراوح بين 90 و100 دولار للأونصة خلال عام 2026، في حال استمرار الضغوط على جانب العرض وتصاعد الطلب الصناعي، بينما تذهب سيناريوهات أكثر جرأة إلى الحديث عن مستويات أعلى إذا دخلت الأسواق في موجة تضخم عالمية جديدة.
في المقابل، يحذّر محللون من احتمالات التصحيح السعري على المدى القصير، خصوصًا بعد الصعود الحاد، إلا أنهم يؤكدون أن أي تراجع قد يمثل فرصة شراء استراتيجية للمستثمرين طويلَي الأجل.
الفضة والمعادن الأخرى.. مشهد متغير
بالتوازي مع قفزة الفضة، شهدت أسواق المعادن الأخرى تحركات لافتة، إذ تراجع البلاتين بشكل طفيف بعد تسجيله مستويات قياسية، بينما حافظ البلاديوم على استقراره النسبي، ما يعكس اختلاف ديناميكيات العرض والطلب لكل معدن.
ويشير هذا المشهد إلى أن الفضة باتت تقود موجة جديدة في سوق المعادن، مدفوعة بعوامل فريدة تجعلها في موقع متقدم مقارنة بنظرائها.
هل نحن أمام عصر جديد للفضة؟
ما يحدث في سوق الفضة اليوم يتجاوز كونه ارتفاعًا سعريًا مؤقتًا، ليعكس تحوّلًا أعمق في دور المعدن داخل النظام الاقتصادي العالمي، حيث تلتقي اعتبارات الأمن الصناعي، والتحول الطاقي، والتحوط المالي في نقطة واحدة.
ومع استمرار الضبابية الجيوسياسية، وتغير خريطة الطاقة العالمية، وتزايد الضغوط التضخمية، تبدو الفضة مرشحة للعب دور أكبر بكثير مما اعتادته الأسواق خلال العقود الماضية.
لماذا تجاوز سعر الفضة 80 دولارًا لأول مرة؟
بسبب ارتفاع الطلب الصناعي والاستثماري، انخفاض المخزونات العالمية، تصنيف الفضة كمعدن حرج، وتوقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
هل الفضة أفضل من الذهب كاستثمار حاليًا؟
الفضة تتمتع بزخم أعلى ومكاسب أسرع، لكنها أكثر تقلبًا من الذهب، ما يجعلها مناسبة للمستثمرين الباحثين عن نمو أعلى مع مخاطر أكبر.
هل يمكن أن تستمر الفضة في الصعود خلال 2026؟
نعم، إذا استمر الطلب الصناعي القوي، وتفاقمت فجوة العرض، وتواصلت السياسات النقدية التيسيرية عالميًا.
هل من المتوقع حدوث تصحيح سعري قريب؟
التصحيحات ممكنة بعد الصعود الحاد، لكنها قد تشكّل فرص شراء إذا لم تتغير العوامل الأساسية الداعمة للسوق.
ما أبرز القطاعات التي تدعم الطلب على الفضة؟
الطاقة الشمسية، السيارات الكهربائية، الإلكترونيات المتقدمة، والصناعات الطبية، إلى جانب الاستثمار المالي.
بهذا الإنجاز السعري التاريخي، تدخل الفضة مرحلة جديدة قد تعيد رسم ملامح سوق المعادن النفيسة، وتفرض نفسها لاعبًا رئيسيًا في معادلة الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة.
اقرأ أيضًا: مالي تُنهي سلسلة المغرب التاريخية.. تعادل بطعم الأرقام القياسية في ليلة بونو ودياز



