103 مدرسة من المدينة المنورة تُضيء سماء التميّز التعليمي الوطني

103 مدرسة من المدينة المنورة تُضيء سماء التميّز التعليمي الوطني
الترند العربي – متابعات
في مشهدٍ يعكس عمق التغيير في المنظومة التعليمية السعودية، تألّقت المدينة المنورة هذا العام لتكون منارةً جديدة في مسار الجودة التعليمية، بعد أن حققت 103 مدارس من مراحل التعليم الأولية مراكز متقدمة في نتائج “التميّز المدرسي” للعام الدراسي 2024 – 2025، ضمن الحفل الوطني الذي أقامته هيئة تقويم التعليم والتدريب لتكريم المدارس المتميّزة على مستوى المملكة. هذا الإنجاز لا يُعد مجرد رقم، بل يمثل علامة على تحوّلٍ نوعي في الوعي المؤسسي لدى المدارس السعودية، وفي قدرتها على تطبيق معايير الجودة والتقويم الشامل في بيئة تعليمية تسعى إلى تحقيق التميز المستدام.
المدينة المنورة.. من التعليم التقليدي إلى الريادة الوطنية
لطالما كانت المدينة المنورة مركزًا للعلم والمعرفة منذ العصور الأولى، واليوم تُعيد تأكيد هذا الدور من خلال التميّز المدرسي، الذي جاء نتيجة سنوات من العمل الممنهج في تطوير الأداء التعليمي والإداري.
فقد نجحت الإدارة العامة للتعليم في منطقة المدينة المنورة في تحقيق المرتبة الثانية على مستوى المملكة في عدد المدارس التي نالت شهادة “التميّز المدرسي”، ضمن قائمة شملت 760 مدرسة حكومية وأهلية وعالمية. هذه النتيجة لا تعكس فقط الجهد الإداري، بل تجسّد الرؤية المستقبلية التي تتبنّاها وزارة التعليم في بناء نظام تعليمي قائم على الكفاءة، والمساءلة، والابتكار.
ويُجمع المراقبون على أن هذا الحضور اللافت للمدينة المنورة لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة استراتيجية عمل طويلة بدأت منذ أعوام، ركزت على تمكين المدارس من تطبيق معايير الأداء المتقدّم، وتحفيز البيئة المدرسية على التعلّم المستمر، والابتكار في أساليب التدريس، وربط التحصيل العلمي بمهارات القرن الحادي والعشرين.

هيئة تقويم التعليم والتدريب.. معيار التغيير في التعليم السعودي
تُعدّ هيئة تقويم التعليم والتدريب الذراع الوطنية المسؤولة عن قياس وتجويد الأداء في المؤسسات التعليمية بالمملكة، وهي الجهة التي أطلقت مشروع “التميّز المدرسي” بهدف الارتقاء بجودة التعليم عبر مؤشرات دقيقة تقيس الأداء الأكاديمي، والإداري، والمجتمعي، وتُحفّز المدارس على تحقيق أفضل الممارسات التعليمية.
ويقوم نظام التميّز المدرسي على أربعة محاور رئيسية:
- القيادة والإدارة المدرسية: وتشمل كفاءة القيادة في تطوير الخطط وتحفيز فرق العمل.
- جودة التعليم والتعلّم: وتقيس جودة المحتوى، وفعالية المعلم، ونتائج الطلاب.
- البيئة المدرسية: وتركّز على المناخ التعليمي، والأمان، والأنشطة المحفّزة للإبداع.
- الشراكة المجتمعية: وتشمل التواصل مع أولياء الأمور والمجتمع المحلي لتحقيق الأثر التعليمي الإيجابي.
وتؤكد الهيئة في تقاريرها السنوية أن التميّز المدرسي ليس منافسةً بين المدارس فحسب، بل هو “رحلة تطور مستمرة” تهدف إلى بناء ثقافة الجودة داخل المؤسسات التعليمية.

ناصر العبدالكريم: التميّز ثمرة العطاء والعمل الجماعي
وفي كلمته خلال الحفل الوطني للتميّز، هنّأ مدير التعليم في المدينة المنورة ناصر العبدالكريم المدارس الحاصلة على المراكز المتقدمة، قائلًا:
“ما تحقق اليوم هو ثمرة عمل جماعي تكاملت فيه جهود القادة والمعلمين وأولياء الأمور والطلاب. المدينة المنورة كانت وستظل نموذجًا للعطاء والإبداع في خدمة التعليم”.
وأضاف العبدالكريم أن مدارس المدينة أثبتت قدرتها على التكيّف مع التحولات التعليمية في المملكة، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة تتطلب مزيدًا من المبادرات النوعية التي تُسهم في رفع جودة التعليم ومخرجاته بما يتواءم مع رؤية السعودية 2030، التي وضعت الإنسان في قلب التنمية.
قصص نجاح من مدارس التميّز
من بين المدارس التي تم تكريمها، برزت نماذج ملهمة قدّمت ممارسات تعليمية فريدة.
في مدرسة “الواحة الابتدائية” بالمدينة المنورة، تم تطبيق نظام تعليمي يعتمد على التعلم التعاوني، حيث يقود الطلاب مبادرات صغيرة لتحسين البيئة الصفية. يقول أحد المعلمين في المدرسة:
“التغيير الحقيقي يبدأ من داخل الطالب، لذلك ركزنا على بناء ثقافة المسؤولية والفضول المعرفي”.
أما مدرسة “الصفوة المتقدمة” فقد تميّزت ببرنامجها الرقمي الذي يُتيح للطلاب متابعة الدروس عبر منصة تفاعلية متكاملة، مما ساعد في رفع معدل التحصيل بنسبة 22% خلال عام واحد.
كما حققت مدارس البنات في المدينة حضورًا قويًا، إذ أثبتت مدارس “الإشراق الأهلية” ريادتها من خلال دمج الأنشطة الفنية والبحثية في المناهج اليومية، ما جعلها نموذجًا في الإبداع والابتكار المدرسي.

التعليم في المدينة.. منظومة تُواكب العصر
شهدت السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا في التعليم داخل المدينة المنورة، حيث انتقلت المدارس من أساليب التعليم التقليدية إلى منظومات ذكية قائمة على التحول الرقمي، والتعلّم بالذكاء الاصطناعي، واستخدام أدوات التقويم الذاتي للطلاب.
وتُعد تجربة “المدرسة الذكية” التي أطلقتها إدارة التعليم نموذجًا متطورًا في هذا الاتجاه، إذ تتيح للطلاب التفاعل مع المواد التعليمية من خلال تقنيات الواقع المعزز، والتعلم عبر المشاريع، وتنمية التفكير النقدي.
ويُشير تقرير صادر عن وزارة التعليم إلى أن المدينة المنورة من أكثر المناطق التي حققت ارتفاعًا في مؤشرات التحصيل العلمي خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث تجاوز معدل التحصيل 89% في المرحلة الابتدائية، مقارنة بـ74% قبل خمس سنوات.
التعليم وجودة الحياة في رؤية 2030
تسعى رؤية السعودية 2030 إلى جعل التعليم السعودي نموذجًا عالميًا في الكفاءة والابتكار. ومن خلال برامج مثل “تنمية القدرات البشرية” و”مدارس المستقبل”، يتم تعزيز الدور الوطني للتعليم بوصفه ركيزة أساسية لاقتصاد المعرفة.
وفي هذا السياق، يأتي مشروع التميّز المدرسي كأحد أهم الأدوات الوطنية التي تدعم تحقيق مستهدفات الرؤية، من خلال بناء بيئة تعليمية تُحفّز التنافس الإيجابي، وتُعزّز ثقافة الجودة لدى القيادات والمعلمين.
ويُعلّق أحد خبراء التعليم قائلاً:
“حين نرى 103 مدرسة من منطقة واحدة تحصد التميّز، فهذا يعني أننا نقترب فعلاً من تحقيق الهدف الاستراتيجي للتعليم في رؤية 2030، وهو الوصول إلى تعليم منافس عالميًا، يقيس أثره لا بعدد المدارس، بل بجودة الإنسان الذي يخرّجه.”
أثر التميّز المدرسي على المجتمع
يتجاوز تأثير التميّز حدود المدرسة إلى المجتمع المحلي. فالمدارس التي تطبق معايير الجودة تنقل روح الانضباط والإبداع إلى الأسر، وتشجع أولياء الأمور على المشاركة في تطوير العملية التعليمية.
وفي المدينة المنورة، ساهمت مبادرات مثل “شركاء في التميّز” و”بيئتي مسؤوليتي” في بناء علاقة متينة بين المدرسة والمجتمع، حيث يشارك أولياء الأمور في لجان التطوير المدرسي، ويُسهمون في دعم الأنشطة الطلابية.
كما ساعدت برامج “القيادة بالتمكين” على تعزيز دور قادة المدارس في اتخاذ القرار، ومنحهم صلاحيات أوسع لتصميم مبادرات تناسب احتياجات بيئتهم التعليمية.
منجزات نوعية واستدامة في الأداء
بفضل الدعم الحكومي المستمر، أصبحت مدارس المدينة المنورة اليوم قادرة على المنافسة في مؤشرات الأداء التعليمي، ليس فقط على مستوى المملكة، بل على المستوى الإقليمي أيضًا.
ووفق بيانات هيئة تقويم التعليم، فإن 92% من مدارس المدينة المشاركة في مشروع التميّز استطاعت تحسين نتائجها في محور القيادة والإدارة المدرسية، و87% في جودة التعليم والتعلّم، ما يعكس الوعي المتزايد بأهمية التطوير الذاتي والقياس المستمر.
وتخطط إدارة التعليم في المدينة لإطلاق مبادرة جديدة بعنوان “التميز 360″، والتي تهدف إلى دمج التحليل البياني في تقويم الأداء المدرسي، باستخدام مؤشرات رقمية تتبع التحصيل والسلوك والابتكار لدى الطلاب بشكل متزامن.
معايير دقيقة وشفافية عالية
من أبرز ما يميز مشروع التميّز المدرسي هو وضوح المعايير وشفافيتها. فكل مدرسة تحصل على تقييم مفصل يُظهر نقاط القوة وفرص التحسين، وتُمنح شهادة التميّز بناءً على معايير معتمدة تشمل الأداء الأكاديمي، ونسبة الانضباط، وكفاءة القيادة، ومستوى رضا أولياء الأمور، والمشاركة المجتمعية.
وتقوم فرق التقويم التابعة للهيئة بزيارات ميدانية للمدارس، وتستخدم أدوات تحليل رقمية لتقييم الأداء بطريقة موضوعية، مما يضمن عدالة النتائج ويحفز المدارس الأخرى على التطور.
شهادات من الميدان
تقول المعلمة “سارة الحربي” من إحدى المدارس المتميزة:
“التميّز المدرسي منحنا دافعًا جديدًا للعمل بروح الفريق. لم يعد الهدف إنهاء المناهج فقط، بل بناء شخصية الطالب وقدرته على التفكير والإبداع”.
ويضيف أحد أولياء الأمور:
“حين ترى أبناءك يذهبون إلى مدرسة تُكرّم وطنيًا، تشعر بالفخر والانتماء، لأنك تدرك أن جودة التعليم أصبحت واقعًا، وليست شعارًا.”
المستقبل.. رحلة مستمرة نحو التميّز
المدينة المنورة اليوم لا تكتفي بالإنجاز، بل تواصل السعي نحو الأفضل، عبر تطوير خططها التعليمية، وإطلاق برامج تدريب مستمرة للمعلمين، وتبني ممارسات عالمية في التعليم الحديث.
ففي عالم يتغير بسرعة، لم يعد التعليم يعتمد على الحفظ أو الامتحانات، بل على بناء مهارات التفكير، وصناعة المعرفة، والقدرة على التعلم مدى الحياة. ولهذا، فإن رحلة التميّز في المدينة ليست نهاية الطريق، بل بدايته.
ما هو برنامج التميّز المدرسي؟
هو مبادرة وطنية أطلقتها هيئة تقويم التعليم والتدريب لقياس جودة أداء المدارس في السعودية، بهدف رفع كفاءة التعليم وتحفيز المدارس على الابتكار والريادة.
كم عدد المدارس التي حققت التميّز في المدينة المنورة؟
بلغ عددها 103 مدارس في مختلف المراحل التعليمية خلال العام الدراسي 2024 – 2025، محققة المرتبة الثانية وطنيًا في قائمة التميّز.
ما أبرز معايير التقييم في برنامج التميّز؟
تشمل جودة التعليم والتعلّم، كفاءة القيادة والإدارة، البيئة التعليمية، والشراكة المجتمعية.
كيف يُسهم التميّز المدرسي في رؤية 2030؟
من خلال تحسين جودة التعليم وتطوير مهارات المعلمين والطلاب، بما يعزز القدرة التنافسية للمملكة على مستوى التعليم العالمي.
ما الخطط المستقبلية لتعليم المدينة؟
إطلاق مبادرات مثل “التميز 360” والتحول نحو مدارس رقمية تفاعلية تعتمد على البيانات في تقويم الأداء وتحقيق الاستدامة التعليمية.
اقرأ أيضًا: “كاوست” و”أرامكو” تطلقان المركبة الجوية الهجينة (HUCT) بتقنية سعودية تحدث تحولًا في الفحص الصناعي