اقتصاد

“الهجرة العكسية”.. هل بدأت الكفاءات العربية تعود إلى أوطانها؟

“الهجرة العكسية”.. هل بدأت الكفاءات العربية تعود إلى أوطانها؟

الترند العربي – خاص 

لطالما شكّلت هجرة العقول والكفاءات العلمية والمهنية من العالم العربي إلى الغرب تحديًا تنموياً خطيراً، حيث قدّرت بعض التقارير، مثل تقرير البنك الدولي، أن المنطقة العربية تُعد من أكثر المناطق فقدانًا للكفاءات، وخاصة في مجالات الطب، والهندسة، والتكنولوجيا، والبحث العلمي.

لكن في السنوات الأخيرة، بدأت مؤشرات جديدة تظهر على السطح تُثير التساؤلات: هل نشهد بالفعل بداية موجة “هجرة عكسية” تعود فيها العقول العربية إلى أوطانها؟ أم أن ما يجري مجرد حالات فردية لا ترقى إلى مستوى الظاهرة؟

مؤشرات ملموسة من الخليج والمغرب العربي
في منطقة الخليج، خصوصًا في السعودية والإمارات وقطر، برزت برامج حكومية محفزة تستهدف جذب الكفاءات، سواء المحلية التي هاجرت في العقود الماضية، أو العربية المقيمة في الخارج.

في المملكة العربية السعودية، أطلقت “رؤية 2030” برامج مثل “عودة الكفاءات الوطنية” و”برنامج الابتعاث المعاكس”، الذي يتيح الفرصة للمبتعثين بالعودة والعمل في قطاعات تنموية استراتيجية. وبحسب وزارة الموارد البشرية السعودية، شهدت السنوات الأخيرة عودة آلاف المتخصصين السعوديين من الخارج، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والقطاع الصحي.

وفي الإمارات، تدعم سياسات التأشيرات طويلة الأمد (Golden Visa) عودة واستقرار العلماء ورواد الأعمال، حيث تمكّن عدد كبير من العرب المقيمين في أوروبا وأمريكا من العودة إلى دبي وأبوظبي لإنشاء شركاتهم أو الانضمام إلى مراكز بحثية.

أما في تونس والمغرب، فقد بدأت الحكومات بالاستثمار في برامج لاستقطاب الكفاءات من الخارج. ففي المغرب، أطلق “البرنامج الوطني لاستقطاب الكفاءات المغربية بالخارج” عام 2022، ويهدف إلى استعادة المهارات في مجالات الهندسة والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي. وقد أظهرت بيانات وزارة الانتقال الرقمي المغربية أن المئات من الخبراء عادوا للعمل في القطاعين العام والخاص خلال عام واحد فقط.

دوافع العودة.. ليس فقط الاقتصاد
العودة لا ترتبط دائمًا بالدوافع الاقتصادية، بل تشمل عوامل أخرى مثل الاستقرار السياسي النسبي، فرص النمو الشخصي، الرغبة في خدمة الوطن، أو حتى التحديات المعيشية التي باتت تواجه الكفاءات في الدول الغربية، مثل ارتفاع تكاليف الحياة، تصاعد العنصرية، أو صعوبة الحصول على الإقامة الدائمة في بعض الدول الأوروبية.

ويقول الدكتور أحمد عبد الرازق، أستاذ الهندسة العائد من ألمانيا إلى مصر عام 2023، في تصريح سابق لإحدى القنوات المحلية: “وجدت في مصر الآن بيئة علمية أفضل مما توقعت، هناك استثمارات في البحث العلمي، وإن كانت لا تزال محدودة، لكن وجود الدعم المجتمعي والرغبة في التغيير حفزني على العودة.”

التحديات مستمرة
رغم هذه الإشارات الإيجابية، لا تزال هناك عقبات تمنع تحويل الهجرة العكسية إلى تيار حقيقي. من أبرزها ضعف البنية التحتية البحثية في بعض الدول، نقص التمويل العلمي، البيروقراطية، وقلة الشفافية في التوظيف الأكاديمي أو المؤسسي.

ويشير تقرير صادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) عام 2022 إلى أن 54% من الباحثين العرب في الخارج أعربوا عن استعدادهم للعودة في حال توفر بيئة مهنية محفزة، فيما رأى 60% أن ضعف الرواتب وغياب الحوافز العلمية يشكلان العائق الأكبر.

الهجرة العكسية للكفاءات العربية بدأت تلوح في الأفق، مدفوعة بتغيرات سياسية واقتصادية داخلية، وبتحديات خارجية تدفع كثيرًا من العقول العربية لإعادة التفكير في مستقبلها. ومع ذلك، فإن هذه العودة لا تزال محدودة النطاق، وتحتاج إلى سياسات مستدامة وشاملة تُعالج أسباب الهجرة الأصلية، وتوفر بيئة حقيقية للبحث والإبداع والاستقرار المهني.

فهل تكون السنوات القادمة بداية تحول جذري في حركة العقول العربية؟ أم أن الأمل لا يزال مرهونًا بإصلاحات أعمق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى