عمر غازيكُتاب الترند العربي

الحياة فرص وتجارب ومراحل

عمر غازي

في عام 1938، بدأت جامعة هارفارد دراسة طويلة الأمد تُعرف بـ”دراسة غرانت”، هدفت إلى تتبع التطور البدني والعاطفي لـ268 رجلًا منذ سنوات دراستهم الجامعية وحتى مراحل متقدمة من حياتهم، استمرت هذه الدراسة لأكثر من 80 عامًا، مما يجعلها واحدة من أطول الدراسات الطولية في التاريخ، حيث كشفت النتائج أن النجاح والسعادة لا يرتبطان بمرحلة واحدة فقط، بل هما نتاج فرص يتم اقتناصها، وتجارب تُصقل خلالها الشخصية، ومراحل تُشكل مسارات الإنسان المختلفة.

أحد الاستنتاجات البارزة من الدراسة هو أن العلاقات الجيدة هي العامل الأكثر تأثيرًا على سعادة وصحة الأفراد، فالأشخاص الذين حافظوا على علاقات قوية ومترابطة كانوا أكثر سعادة وصحة، وعاشوا لفترات أطول مقارنة بغيرهم، وهذا يُظهر أن التجارب الاجتماعية والعاطفية تلعب دورًا محوريًا في تشكيل مسارات حياتنا.

الحياة ليست خطًا مستقيمًا، بل سلسلة من التجارب التي تشكل الإنسان وتُعيد تشكيله باستمرار، ففي دراسة أجرتها جامعة ستانفورد، وُجد أن العديد من الأشخاص الذين نجحوا في تحقيق أحلامهم مروا بفترات فشل قبل أن يتمكنوا من بناء نجاحهم، مما يعكس أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل مرحلة ضمن الرحلة.

الفرص تُصنع ولا تُنتظر، فوفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، فإن نسبة كبيرة من أصحاب المشاريع الناجحة بدأوا أعمالهم بعد أن فقدوا وظائفهم السابقة، مما يدل على أن الظروف التي تبدو سلبية قد تكون في الحقيقة نقطة انطلاق جديدة، كما أظهرت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج أن الأشخاص الذين يغيرون مجالات عملهم أكثر من مرتين في حياتهم لديهم فرص مضاعفة للوصول إلى وظائف ذات دخل أعلى مقارنة بمن يبقون في نفس المجال طوال حياتهم.

لكن لماذا يعتقد البعض أن الفرص تأتي لمجموعة محظوظة فقط؟ السبب يعود إلى فكرة “ثبات العقلية” مقابل “عقلية النمو”، ففي دراسة أجرتها جامعة ديوك، وُجد أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يرون أن حياتهم محكومة بالصدفة والحظ لا يستغلون الفرص التي تأتيهم، بينما الذين يؤمنون بقدرتهم على التعلم والتطور يخلقون فرصًا جديدة لأنفسهم في مراحل مختلفة من حياتهم.

أما عن المراحل، فإن فهم الإنسان لمراحل حياته هو ما يجعله قادرًا على التأقلم والتطور، فوفقًا لدراسة أجرتها جامعة أكسفورد، فإن الأشخاص الذين يعيدون تقييم أهدافهم بانتظام لديهم معدلات أعلى من النجاح مقارنة بمن يبقون متمسكين بنفس الأهداف رغم تغير الظروف، فالمرونة في التفكير والتكيف مع المراحل المختلفة هي مفتاح الاستفادة القصوى من التجارب.

فهل نحن مستعدون لنرى الحياة كما هي؟ ليست سباقًا للفوز، بل سلسلة من المحاولات، حيث تكون كل تجربة درسًا، وكل فرصة خطوة نحو مستقبل غير متوقع لكنه مليء بالإمكانيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى