“ني-أليسوند”.. قصة مدينة في القطب الشمالي تقودها النساء
الترند العربي – متابعات
ني-أليسوند، هذه المدينة العلمية الواقعة في القطب الشمالي، تعد مركزًا للأبحاث المناخية، حيث تلتقي الطبيعة المتجمدة مع شغف الباحثات اللاتي يعملن على دراسة تغير المناخ.
تقع ني-أليسوند في أرخبيل سفالبارد، أحد أكثر المناطق شمالًا في العالم، حيث تسود قسوة الطقس وظلام الشتاء. ورغم التحديات البيئية الكبيرة، تعتبر هذه المنطقة من الأماكن التي تتأثر بالتغير المناخي بشكل أسرع من المتوسط العالمي، إذ شهدت درجات الحرارة هناك ارتفاعًا ملحوظًا على مدى العقود الأخيرة، مما يثير القلق بشأن تأثيره على الأنظمة البيئية، وفقًا لـ«ناشيونال جيوغرافيك».
يعود السبب في هذا الاهتمام إلى التغيرات الجذرية في طبيعة المنطقة، ومنها وصول أنواع جديدة مثل قنديل البحر «ذي الخوذة» الذي يعتمد على كائنات بحرية محلية، ما يهدد توازن النظام البيئي.
إضافة إلى ذلك، تعاني التربة الصقيعية من ذوبان مستمر، ما ينذر بإطلاق كميات هائلة من الكربون المخزون في الأرض إلى الغلاف الجوي.
في ظل هذه الظروف، تواجه الباحثات التحديات الميدانية التي تزداد صعوبة مع تسارع وتيرة التغيرات المناخية، حيث يتعاملن مع بيئة تشهد تحولات دائمة.
تلعب النساء دورًا محوريًا في الأبحاث في ني-أليسوند، وهو تغيير ملحوظ مقارنة بالماضي حين كان الحضور النسائي في هذه المناطق محدودًا.
على سبيل المثال، كانت عالمة المناخ إنجر هانسن باور واحدة من النساء الأوائل اللاتي عملن في هذه المنطقة، وقد شهدت تحسنًا تدريجيًا في عدد الباحثات العاملات بالمجالات العلمية الميدانية.
تسلط عالمة المناخ جوليا بويك الضوء على هذا التغيير، حيث تشير إلى أن فريقها الميداني في الآونة الأخيرة كان يتألف بالكامل من النساء.
وتعتبر بويك أن ازدياد عدد الباحثات انعكس بشكل إيجابي على بيئة العمل، حيث تحسن مستوى النظافة والطعام. ومع ذلك، أصبح العمل الميداني أكثر صعوبة، حيث أدى تقلص فترة الجليد البحري إلى زيادة وجود الدببة القطبية، مما يجعل العمل الميداني محفوفًا بالمخاطر.
في عام 2021، وصلت المصورة إستر هورفاث إلى ني-أليسوند لتوثيق حياة هؤلاء الباحثات، مما أضفى طابعًا إنسانيًا على جهودهن في دراسة تغير المناخ.
تسعى هورفاث لإظهار شجاعة هؤلاء النساء في مواجهة تحديات القطب الشمالي، وتسليط الضوء على مساهماتهن، كما قامت بتصوير الباحثات مع معدات تمثل عملهن وأدواتهن اليومية، مثل أدوات جمع العينات والأجهزة التي تقيس الحرارة والرطوبة والضغط. توثق الصور التي التقطتها المصورة العمل الشاق والالتزام الذي يبذلنه هؤلاء النساء لفهم أثر تغير المناخ.
كما تضم ني-أليسوند مجموعة من العلماء المختصين من مختلف الدول، مثل شارلوت هافيرمانز، عالمة الحيوان البحري، التي تعمل على توثيق تأثير تغير المناخ على التنوع البيولوجي، مستخدمة تقنيات الحمض النووي البيئي لاكتشاف الأنواع التي تتحرك باتجاه القطب الشمالي مع تغير درجات الحرارة.
أما إنجريد كيرستاد، فهي تقوم برحلات منتظمة مع كلبها «يوكون» وهو كلب نصفه من نوع مالاموت ونصفه من نوع هاسكي، حيث يساعدها في التنقل خارج المحطة.
ويظل «يوكون» رفيقها الدائم في رحلاتها، على الرغم من أنه يفضل متابعة الطيور الصغيرة على مراقبة الدببة القطبية.
من خلال أبحاثهم، يسعى العلماء في ني-أليسوند إلى تقديم بيانات دقيقة حول تأثيرات تغير المناخ على المنظومات البيئية، بهدف حماية الكوكب واستدامته.
تجمع عالمة الأحياء ماري كوش عينات من الكائنات البحرية لدراسة تأثيرات ارتفاع درجة حرارة المياه على حياتها وسلوكها، وهو أمر مهم لفهم التغيرات في النظام البيئي القطبي.
تعتبر كوش أن فهم كل جانب من هذا النظام هو ضرورة حتمية للحفاظ على استقرار القطب الشمالي، حيث يشكل تغير المناخ تهديدًا مستمرًا لا يمكن تجاهله.
وتمثل ني-أليسوند نموذجًا ملهمًا لمساهمة النساء في العلوم في مواجهة أكبر تحديات هذا العصر، إذ يتمثل دورهن في تقديم حلول مبتكرة للحد من تأثير التغيرات المناخية، وتوثيق هذه التحولات المتسارعة التي تهدد استقرار البيئة القطبية.