منطق “المغالطات”
عمر غازي
في عالمٍ يمتلئ بالمعلومات المتدفقة والنقاشات التي لا تنتهي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبرز الحاجة إلى فهم أعمق لما يسمى بالمغالطات المنطقية، وهذه المغالطات ليست مجرد أخطاء عابرة في التفكير، بل هي وسائل يستخدمها البعض – سواء بوعي أو بدون وعي – لتضليل الآخرين، وتحريف الحقائق، وتوجيه النقاشات إلى مسارات مغلوطة، وهذه المغالطات قد تبدو في ظاهرها منطقية، لكنها في جوهرها تساهم في تغييب الوعي وتوجيه الأفكار بشكل خاطئ.
تمثل المغالطات المنطقية انحرافات في التفكير تؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة أو مضللة، وهذه الانحرافات، التي يمكن أن تبدو غير ضارة في ظاهرها، تُستخدم بشكل متعمد في كثير من الأحيان للتأثير على الرأي العام أو لتشويه الحقيقة.
وتعد “مغالطة رجل القش”، أو ما تُعرف أيضًا بـ”مغالطة التشويه”، من أشهر المغالطات المنطقية، وفي هذه مخصي المغالطة، يقوم الشخص بتحريف موقف الخصم لجعله يبدو أضعف أو أسهل في مهاجمته، ثم يشن هجومًا على هذا الموقف المُحرَّف، ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2017 فإن هذه المغالطة تُستخدم بنسبة 65% في النقاشات السياسية التي تُعرض في وسائل الإعلام.
ومن المغالطات الأكثر انتشارًا “مغالطة الاحتكام إلى السلطة”، والتي تعتمد على استخدام رأي شخصية مرموقة أو سلطة معينة كدليل على صحة حجة ما، دون تقديم أدلة ملموسة، وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة ييل عام 2014، أن الناس يميلون إلى قبول الآراء التي تصدر عن شخصيات ذات نفوذ، بغض النظر عن صحة هذه الآراء أو منطقية الحجج الداعمة لها، مما يؤدي إلى تغييب التفكير النقدي وتبني مواقف غير مدروسة.
مغالطة أخرى شائعة هي “التعميم المتسرع”، حيث يتم تعميم نتيجة معينة استنادًا إلى عينة صغيرة أو غير ممثلة، وتستخدم هذه المغالطة كثيرًا في وسائل الإعلام، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تُستخدم وفقًا لدراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2019، للتأثير على الرأي العام بشكل غير دقيق، مما يؤدي إلى انتشار أفكار مغلوطة أو تحيزات غير مبررة.
أما “مغالطة الحجة من التبعات”، فهي مغالطة تُستخدم عندما يُعتبر أن نتيجة معينة لموقف ما دليل على صحة أو خطأ هذا الموقف. هذه المغالطة تتجاهل الأدلة الأساسية وتعتمد فقط على النتائج المتوقعة، مما يؤدي إلى استنتاجات خاطئة، حيث أظهرت نتائج دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018 أن هذه المغالطة تُستخدم بشكل واسع في الحملات الإعلامية لتوجيه الرأي العام دون تقديم أدلة موضوعية.
وهذه المغالطات السابقة مجرد غيض من فيض، ولكن ما يجب التنبيه عليه أنه إذا ما تُركت دون تصحيح، يمكن أن تُشكل خطورة على التفكير الجماعي وتؤدي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، فوفقًا لدراسة من جامعة هارفارد عام 2020 فإن الأشخاص الذين يمتلكون مهارات التفكير النقدي يكونون أقل عرضة للتأثر بهذه المغالطات، وأكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل.
إن فهم هذه المغالطات وتعلم كيفية تفاديها ليس مجرد تمرين فكري، بل هو ضرورة لحماية عقولنا من التضليل والخداع. بناء عقل واعٍ ومدرك لتلك الفخاخ التي تُنصب لنا يوميًا في وسائل الإعلام والمحادثات اليومية هو الخطوة الأولى نحو تعزيز وعي جماعي أعمق وأكثر دقة.
العقل الواعي هو حصننا الأخير أمام سيل التضليل الذي يُحيط بنا، وبفهم تلك الأدوات التي تُستخدم في تشويه الحقيقة، يمكننا أن نُعيد تشكيل تفكيرنا بشكل أكثر دقة ومنطقية، ونحمي أنفسنا من الوقوع في الفخ.
تعليق واحد