عمر غازيكُتاب الترند العربي

الإنسان عدو نفسه

عمر غازي

يعاني البشر من مشكلات لا حصر لها، بعضها نتيجة لظروف خارجية لا سيطرة له عليها، ولكن الكثير منها يعود إلى سوء تصرف متعمد من أنفسهم، وهذه الحقيقة تؤكدها العديد من الدراسات في مجالي علم النفس وعلم الاجتماع، والتي تشير إلى أن أغلب المشاكل الاجتماعية ليست ناتجة عن ظروف خارجية كما يعتقد الغالبية بقدر ما هي نتيجة لسلوكيات وتصرفات بشرية خاطئة.

وفقًا لدراسة نشرتها مجلة “Psychological Science” في عام 2020، تبين أن 70% من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الأفراد ناتجة عن قرارات خاطئة أو تصرفات غير مدروسة، فعلى سبيل المثال، يمكن للقرارات المالية غير الحكيمة أن تؤدي إلى أزمات اقتصادية شخصية، بينما يمكن أن يؤدي نقص التواصل الفعال في العلاقات إلى انهيار تلك العلاقات، وهذه التصرفات ليست نتاجًا للظروف الخارجية بقدر ما هي ناتجة عن نقص الوعي والإدارة الذاتية.

يوضح علم النفس أن جزءًا كبيرًا من هذا السلوك البشري يمكن أن يُعزى إلى ما يُعرف بـ”التحيزات المعرفية”، وهي ميل الإنسان لاتخاذ قرارات غير منطقية بناءً على تحيزات نفسية. فعلى سبيل المثال، يؤكد مفهوم “التحيز التأكيدي” أن الناس يميلون إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم الحالية، ويتجاهلون الأدلة التي تتعارض مع هذه المعتقدات، وهذا التحيز يمكن أن يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة وزيادة التوتر الاجتماعي.

من منظور علم الاجتماع، يمكن فهم هذه الظاهرة من خلال نظريات مثل “نظرية الأفعال الاجتماعية” لماكس فيبر، التي تشير إلى أن الأفعال الإنسانية لا تنفصل عن السياقات الاجتماعية المحيطة، فالسلوكيات الاجتماعية الخاطئة، مثل التمييز والعنصرية والتعصب، غالبًا ما تكون ناتجة عن تفاعلات اجتماعية معقدة يمكن تجنبها من خلال تعزيز التفاهم والوعي الثقافي.

دراسة أخرى نشرتها “Journal of Social Issues” في عام 2019، أكدت أن السلوكيات العدوانية والتصرفات الأنانية هي من الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية، وبحسب الدراسة فإن التعليم والتوعية يمكن أن يكون لهما تأثير إيجابي كبير في تقليل هذه السلوكيات، مما يؤكد أن الكثير من المشاكل يمكن تجنبها إذا ما تم التركيز على تغيير سلوك الإنسان وتوجيهه نحو التصرفات الأكثر إيجابية.

الإنسان، في بعض الأحيان، يتخذ قرارات غير صائبة نتيجة لضغوط الحياة اليومية والمجتمعية، ومع ذلك، من الواضح أن تلك القرارات التي يتخذها في تلك اللحظات هي التي تقوده إلى مواقف صعبة يمكن تجنبها، حيث أظهرت نتائج دراسة أجريت في جامعة كولومبيا عام 2021، أن 65% من الأشخاص الذين تعرضوا لمشاكل اجتماعية كبيرة أكدوا أنهم كانوا يعرفون مسبقًا أن قراراتهم قد تكون خاطئة، ولكنهم استمروا في اتخاذها بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية.

هذا التصرف اللاعقلاني يؤكد ما يقوله علم النفس السلوكي حول “التصرفات المتناقضة”، حيث يعرف الإنسان ما يجب فعله ولكنه يفعل العكس نتيجة لعوامل نفسية معقدة مثل القلق والخوف من الفشل، وتلك التصرفات تزيد من تعقيد المشاكل وتجعل الحلول تبدو أصعب مما هي عليه في الواقع.

وأخيرًا، ما يمكن التأكيد عليه أن التربية والتعليم يلعبان دورًا كبيرًا في تشكيل سلوك الإنسان وتوجيهه نحو التصرفات الإيجابية، ومن خلال التركيز على تعليم السلوك النقدي والتحليلي، ومبادئ الإدارة وعلم النفس المعرفي، يمكن للمجتمع أن يقلل من نسبة التصرفات السلبية ويساهم في بناء بيئة اجتماعية صحية، هذا بالطبع إذا أدركنا أن أغلب المشاكل التي نواجهها ليست نتيجة للظروف الخارجية، بل نتيجة لقراراتنا وتصرفاتنا، لكن الخيار الأسهل دائمًا هو تعليق الفشل والعثرات والانكسارات والأزمات على شماعة العوامل الخارجية لنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى