آراءكُتاب الترند العربي

كتابة السيناريو بالذكاء الاصطناعي

رجا العتيبي

من خلال تجربة عملية، طلبت من بعض طلابي في قسم السينما والمسرح في جامعة الإمام محمد سعود، كتابة قصة درامية، وفقا للقوالب الدرامية المعروفة، وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي. واخترت طلاباً مستوياتهم متباينة في الكتابة، وهم على ثلاثة أقسام:

1- طلاب موهوبون في تأليف القصص وكتابة السيناريو.

2- طلاب متوسطو المستوى في هذا النوع من الكتابة.

3- طلاب أقل من المتوسط.

أكدتُ عليهم جميعًا أن يكتبوا القصة حسب قالب 3Act وأن يعطوا الأوامر باللغة الإنجليزية من حيث افتتاحية القصة، والبطل، والعيوب التي يتسم بها، ومعتقداته الخاطئة، والحدث المحوري الذي يغير مجرى الأحداث، والصراعات التي تواجهه من خصومه، والمفارقات، والمفاجآت، ولحظات اليأس عند البطل، ثم استعادة قواه مرة أخرى، ومنحنى القصة، والذروة، والنزول منها، والاستكشاف، والتحولات، والرسالة التي تعلمها البطل، ثم النهاية.

أما القصة والسيناريو، فيطلبها الطلاب من برنامج الذكاء الاصطناعي AI، بشكل موحد باستثناء الفكرة، كل طالب أتى بفكرة مختلفة، وتفاصيل قصصية مختلفة، ولكن المعطيات المدخلة واحدة، حتى تكون النتائج أكثر صدقاً وثباتاً، ولا يتوقع القارئ أننا نقوم ببحث علمي، إنما هي تجربة مبدئية، بهدف معرفة مدى قدرة الــ AI على كتابة سيناريو، ومقارنته بما يكتبه البشر، هذا كل ما في الأمر.

وصلتني السيناريوهات، قرأتها، وتمعنتها بشكل دقيق، وفوجئت بنتيجة غير متوقعة، تثبت أن الــ AI يكتب بروح آلية، ونفس تقني، أبعد ما يكون عن كتابة البشر، حتى لو بدا شبيهاً به، فخيال الـ AI خيالٌ ملفق، يشبه «حاطب ليل» ولكن أكثر ترتيباً من الحاطب.

أما نتيجة هذه التجربة “البسيطة” بعد تحليلي للنصوص التي كتبها الطلاب، فقد جاءت على النحو الآتي:

1- الذكاء الاصطناعي ألغى فارق الموهبة.

2- كلهم صاروا يكتبون في مستوى تقني متشابه “وكأنه رفع العادي، وأنزل الموهوب ووضعهم في نقطة واحدة”.

3- لا تفرق بين نص الموهوب، من نص غير الموهوب.

4- النصوص مصطنعة، لا ورح فيها.

5- براعة الذكاء الاصطناعي تبقى محصورة في الشؤون التي لا تتطلب خيالاً، وإبداعاً، وعبقرية، وتجديداً، بوصف ذلك سمات بشرية، نتيجة للروح التي أودعها الله في الإنسان وكرمه بها عن بقية مخلوقاته، فلا يمكن أن يحاكي الذكاء الاصطناعي البشر في المشاعر، والتفكير، والخيال، فهذا أمر محال، لا يستطيع أحد أن يضاهي خلق الله.

ومن المصادفات الجميلة، وبينما أكتب هذه المقالة، وصلتني رسالة “واتس أب” من أحد الزملاء تتضمن كتاب PDF عبارة عن نص مسرحي مترجم، كتبه روربوت، بعنوان «عندما يكتب الروبوت مسرحية».

لم يثرني هذا الإصدار فقبل أسابيع كنت في تجربة شبيهة مع طلابي كما ذكرت آنفاً، ولكن الذي أثارني هو فكرة كتابة نصٍ بالذكاء الاصطناعي يكتبه روبوت، دعوني أشارككم “اقتباساً” جاء في مقدمة هذا الإصدار، فربما تتفقون معي بالنتيجة التي خرجت بها بعد قراءته، وهي فرصة أن أدرجها ضمن هذه المقالة واستعيض بها عن فقرات كنت قد كتبتها هنا، جاء في مقدمة الكتاب مانصه، “… وقد طرأت الفكرة في ذهن العبقري توماش ستودنييك … بعد ذلك تم تداول الفكرة مع فريق معهد يوفال للتكنولوجيا ــ بدولة التشيك ــ وقرروا إنجاز المهمة وجعل روبوت الذكاء الاصطناعي يكتب مسرحية، تُعرض في احتفال الذكرى المئوية للكاتب التشيكي كارل تشابيك في يناير 2021م”.

وجاء في المقدمة الإشارة إلى تكليف روبوت 2GPT الذي دربه اتحاد Open AI، وجعلوه يحفظ 900 كلمة خاصة في مجال الفنون، بينما بقية الكلمات والنصوص يستقيها من آلاف النصوص المحفوظة في أرشيف الإنترنت، وأبانت المقدمة أن ثمة تدخل بشري بنسبة 10% وهو تدخل دراماتورجي. لا علينا، هذه المقدمة لمن يتأملها تكشف مقدار اللعبة التسويقية لصاحب الفكرة توماش ستودنييك، ومعهد التكنولوجيا التشيكي، عن طريق نص كتبه “روبوت ذكاء اصطناعي”، من خلال نص تقني لا روح فيه هو الآخر، ويشبه ما كتبه طلابي في التجربة الآنفة الذكر. بدليل أن هناك تعريف طويل في حدود صفحة كاملة في نهاية هذا الإصدار جاء فيه ما نصه، “«توماش ستودنيكك مواليد “1976” هو مبتكر جذري، وهاكر مدني، يساعد توماش الشركات العالمية، مثل: Skoda Auto و Novartis و ABB لإيقاظ إمكاناتهم المبتكرة، والبحث عن فرص جديدة في زمن، ما بعد العصر الرقمي».

يمكنكم أن تلتقطوا العلامات التسويقية في هذه المقدمة، مثل: مبتكر، يوقظ إمكانات الشركات، وينقلها إلى زمن ما بعد الرقمنة، ولكن من يفعل ذلك أنه صاحب الفكرة توماش ستودنييك. لنتوقف لحظة، لماذا لا يعمل هذه الأعمال الخارقة الروبوت نفسه، ألم يكتب مسرحية؟ لماذا الإنسان البشري هو الذي يعمل كل هذه المهام الخارقة للشركات، بينما اكتفى الروبوت بكتابة نص درامي، مأخوذ من أرشف الإنترنت، وبمساعدة بشرية قدرها 10%.

ربما نجح توماش هذا الإنسان في تسويق فكرة مثيرة في حينها عام 2021م، وربما وقع كثير من العقود الرقمية، ولكن الفكرة بعد مضي ثلاث سنوات تقريباً، لم يعد لها ذلك البريق، وربما يخفت وميضها أكثر في السنوات القادمة، فالخيال لا ينتجه سوى البشر، والنصوص الدرامية “سيناريو، نص مسرحي، مسلسل” كلها تنبع من الخيال، والخيال لا يعتمد على أرشيف الإنترنت كما يفعل روربوت الذكاء الاصطناعي، إنما يعتمد على أرشيف العقل الباطن، وعلى فلتات إبداعية لا يحدها حدود، تغير الزمان والمكان، كما تعتمد على مواهب إلهية تتجدد بها الحياة.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى