آراءكُتاب الترند العربي

أنا عندي حنين

هلا خباز

لطالما استغربت ممن يجلسون فرادى متكئين على نافذة المقهى حاملين كوب قهوة بارد وابتسامة باهتة مرسومة على شفاههم. ممن يحملون كتابًا ويحملقون بالطريق برحلة بلا وجهة.. ممن أكملوا تجاربهم بفردية حتى قرأت عبارة لطيفة لعلي زيدان تقول: ” الذين يذهبون إلى المقاهي بمفردهم ليسوا متوحدين، هناك من يجلس بداخلهم “.

أن تجالس ذكرياتك وتهامس العابرين فيها أن تبتسم، أن تدمع أو أن تصرخ بصوت مكتوم يخترق صمت الحنين للغائبين الذين وصف أحمد خالد توفيق تجربتهم: ” هل فهمت الآن الحكمة من كون عمر الإنسان لا يتجاوزُ الثمانين على الأغلب؟ لو عاش الإنسان مائتي عام لجُنَّ من فرطِ الحنين إلى أشياءَ لم يعد لها مَكان ”

وهنا عليّ أن أخالف أرزة لبنان السيدة فيروز حينما قالت أنا عندي حنين ومابعرف لمين.. من منا لايعرف لمن ينفطر القلب عليه، لأي شخص، لأي بلد، لأي حقبة زمنية؟ حنينا مرسوم الملامح بشخوصه وذكرياته بأمنياتنا بالعودة وتكرار التجربة بتوقف الزمن، بالصمت الذي يزورنا ويثقل ليلنا.

هل شعرت بالحنين وأن تنهض من فراشك؟

هل زارك الشوق في وسط يومك وبغمرة انشغالك؟

هل هزمك الحنين وأنت تطفئ النور بجانب سريرك؟

يقول جبرا إبراهيم جبرا:” نحن ألعوبة ذكرياتنا مهما قاومنا. خلاصاتها وضحاياها معًا. تسيطر علينا تحلّي المرارة، تراوغنا، تذهب أنفسنا حسرات، عن حق أو غير حق”

كم ألهم الحنين أقلام كتابنا وشعرائنا بغض النظر عن نوع الحنين، عن قوته وعن انهزامهم حينما يداهمهم بغتة.

وعن الذكريات والطفولة ومطبخ الأم الحانية، كتب محمود درويش واحدة من أجمل روائعه:

أحن إلى خبز أمي

وقهوة أمي

ولمسة أمي

كيف يمكن لنكهة أن تسافر بنا عبر الزمن؟ أليس الطعام مذاق يستشعر بالذاكرة. كم من مرة أعادتك لقمة لبيت الجدة، ورائحة الخبز لبيت أصدقاء الطفولة، للنكهات والروائح قدرة عجيبة لإثارة الحنين وإعادتنا سنين إلى الوراء إلى زمن الحب والراحة. يالهذا الحنين كيف يثار، ومن الذي يشعل شرارته؟  وكيف سينطفئ؟

يقول أحدهم: ” لا أعرف أمرًا كارثيًا أكثر من الحنين الذي يأتيني بغتة وأنا في عز طمأنينتي”.

الطمأنينة التي تهتز حينما يباغتنا فيها طيف أحدهم، رائحة المطر في مدينة ما، أغنية ساهرنا بها أحلامنا، كلمة أو مشهد…

ولأن محمود درويش شاعر أرهقه الحنين كتب في حضرة الغياب:” الحنين وجع لا يحن إلى وجع. هو الوجع الذي يسبه الهواء النقي القادم من أعالي جبال البعيد، وجع البحث عن فرح سابق، لكنه وجع من نوع صحي، لأنه يذكرنا بأننا مرضى بالأمل وعاطفيون”.

مثقلون نحن بالذكريات وبالحنين، تجتاحنا دون أن نملك سلطان إيقافها ترهقنا تسلب قدرتنا على المواصلة، تمضي الأيام ونحن نتوق للعودة للحظات تمنينا ألا نبرحها وألا نفارق سكانها.

ونختم بمقولة من طوق الياسمين رائعة واسيني الأعرج: ” الوقت مسافة تموت والذكريات حنين يتفجر، يرهق النفس ويرعش القلب.”

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى