كُتاب الترند العربي

نوع سينمائي جديد.. إنسان يحب الروبوت ولكن هل يبادله الروبوت الحب؟!

عصام زكريا

أعتقد أنه الأوان للحديث عن نوع فني genre سينمائي جديد، سأطلق عليه هنا “رومانتيك روبو”، أو “روبو رومانس”، انتظارًا لما ستسفر عنه محاولات تصنيفه وتسميته عالميًّا.

شهدت السنوات الماضية عددًا كبيرًا ومتزايدًا من الأفلام التي تدور حول العلاقات العاطفية الحميمة بين البشر وآلات الذكاء الاصطناعي المسماة بالروبوت، التي قد تتراوح بين برنامج صوتي على الهاتف الجوال، وامرأة أو رجل من لحم ودم لا يمكن تمييزه عن البشر الطبيعيين.

فكرة ارتباط الإنسان عاطفيًّا بصورة أو صوت آليين “بعيدًا عن الروبوتات” نجدها في فيلم “هي” Her “سبايك جونز، 2013” حيث يقع خواكين فينكس في حب برنامج على الهاتف له صوت سكارليت جوهانسين “التي تؤدي دور البرنامج صوتيًّا”. حالة تبدو غريبة في الفيلم، ولكن أعتقد أنها موجودة حولنا بكثرة، حيث يزداد تعلُّق الناس يوميًّا بصور وأصوات افتراضية تحل محل الواقع!

يقول أطباء النفس: «إذا لاحظت أنك تتحدث مع الخزانة الخشبية في غرفتك، فلا تقلق، هذا شيء عادي، ولكن يجب أن تذهب إلى الطبيب فورًا إذا بدأت الخزانة في الرد عليك»!

أعتقد أن تعلُّق الإنسان بحيوان أو روبوت أو جماد لا مشكلة فيه، ولكن المشكلة التي ستبدأ حقًّا هي عندما يستطيع العلماء أن يصنعوا روبوتًا ليس فقط أذكى من البشر، ولكن قادر أيضًا على الحب والكراهية، وعلى الشعور باللذة والنفور!

وقد تعتقد أن هذا الأمر مستحيل، وأن الإنسان سيظل متميزًا عن الآلة بالمشاعر والأحاسيس، ولكن لا تُمني نفسك بذلك كثيرًا، فكم من أشياء قلنا إن الذكاء الصناعي لن يستطيع الوصول إليها، ووصل إليها في غمضة عين. وقد قرأت منذ أيام عن الروبوت الذي يمكن أن يصنع أفلامًا، وربما يظهر قريبًا روبوت ناقد أيضًا!

الحبكة الرئيسة التي تُميّز هذا النوع من الأفلام عن غيرها من أفلام الحب أو الخيال العلمي، أنها تستكشف إمكانية أن تشعر الآلة بالحب، بصفته نقطة الدفاع الأخيرة التي تميز البشر.

ربما يكون ستانلي كوبريك هو أول من قدَّم روبوتًا تنتابه مشاعر كالبشر في رائعته «2001: أوديسا الفضاء- 2001» 2001: Space Odyssey من خلال العقل الإلكتروني «كما كان يطلق على الكمبيوتر آنذاك» هال، الذي تنتابه الرغبة في السيطرة على سفينة الفضاء والتخلص من روادها، والذي يلعب الشطرنج أفضل من البشر «كان ذلك افتراضًا يصعب تصديقه في 1968، عام صنع الفيلم، ولكنه أصبح حقيقة واقعة منذ أن قام برنامج «ديب بلو» بهزيمة بطل العالم جاري كاسباروف في 1997».

في «أوديسا الفضاء» يشعر هال بالغيرة ويمارس المكر والخديعة مثل البشر، وينتابه الخوف والحزن ويتوسل لرائد الفضاء الذي يكتشف خيانته ويقوم بتفكيكه. ولكن إذا كان العقل الصناعي قادرًا على الكذب والشعور بالغيرة والكراهية، فهو غالبًا قادر أيضًا على الحب!

يعود كوبريك إلى هذا السؤال في فيلمه «الذكاء الاصطناعي A.I. Artificial Intelligence»، الذي عمل على إنتاجه وأُسند إخراجه لستيفن سبيلبرج منذ السبعينيات، ولكن المشروع تعثر حتى رحيل كوبريك في 1999، واستكمل سبيلبرج المهمة بإخراجه حتى صدر في 2001، بالمصادفة، في العام الذي تدور فيه أحداث «أوديسا الفضاء»!

«الذكاء الاصطناعي» فيلم مظلوم بين أعمال كوبريك وسبيلبرج. ربما لأنه لا ينتمي لأيٍّ منهما بالكامل، فهو ليس عقلانيًّا وقاسيًا بقدر أعمال كوبريك، وليس عاطفيًّا ومتفائلًا بقدر أعمال سبيلبرج. والحقيقة أن نتاج هذا المزيج شديد القسوة، وشديد العاطفية في الوقت نفسه!

يدور «الذكاء الاصطناعي» خلال القرن الثاني والعشرين حول روبوت صبي يُدعى ديفيد «يلعب دوره الرائع هالي جويل أوسمنت» تبناه زوجان يصاب ابنهما بمرض خطير، وبناء على طلب الأم، تقوم الشركة المصنعة بزرع القدرة على المشاعر داخل الروبوت، ما يجعله يتعلق بالفعل بأمه ويشعر كما يشعر البشر. ولكن عندما يشفى الابن الحقيقي للأسرة فجأة، يتخليان عن ديفيد، ويرسلانه إلى موقع تفكيك الروبوتات والتخلص منها. ولكن الروبوتات كانت في حالة ثورة على البشر، ينجو ديفيد، وتتوالى الكوارث الطبيعية على الكوكب حتى يفنى تمامًا.. لكن ديفيد وحبه لأمه لا يفنيان أبدًا.. فهو روبوت لا يموت!

كان كوبريك يرى في ديفيد نسخة «روبوتية» من بينوكيو، تلك الدمية الخشبية التي تدب فيها الحياة، وربما يعود الأمر إلى أسطورة بيجماليون الإغريقية كذلك، التي يعشق فيها نحات تمثالًا جميلًا قام بصنعه، دبّت فيه الحياة!

ربما من الجيد هنا أن نستدعي إلى الذهن فيلم «بينوكيو ديل تورو»، 2022، الذي قام فيه المكسيكي جيرمو ديل تورو بإعادة معالجة حكاية بينوكيو من منظور الدمية، وهو ما سبق أن فعله من منظور الوحش الذي يقع في غرام امرأة في رائعته «قوام الماء». من المناسب أيضًا أن نستدعي المعالجات المختلفة لأسطورة بيجماليون في السينما، مثل «سيدتي الجميلة»، وأن نفكر فيهما كجذور للنوع الفني «رومانتيك روبو»، أو بمعنى أدق كنوع مقلوب، حيث تدور الفكرة حول إنسان يعدّه الآخرون دمية من صنعهم، ولكنه يرغب في التحرر والتمرد.

كثير من الأفلام التي تتناول علاقة البشر بالروبوت تصل إلى هذه النقطة، حيث يشعر الروبوت بـ«آدميته» ويرغب في التحرر من العبودية.

كان أول فيلم يتناول هذه الفكرة هو «الرجل الذي عمّر مائتي عام» Bicentennial Man «إخراج كريس كولمبوس، 1999»، والذي لعب فيه الراحل روبن ويليامز دور روبوت يبدع فنا ويشعر بالحب، ويطالب الكونجرس في المستقبل البعيد بمعاملته مثل البشر!

الطابع الكوميدي الخفيف للفيلم حال دون وصول فكرته الثقيلة، خاصة أنها كانت جديدة ولم تؤخذ مأخذ الجد في ذلك الوقت.

فكرة صنع روبوت يشعر ويمكن أن يبادل الإنسان الحب هي أيضًا محور فيلم «إكس ماشينا» Ex Machina «ألكس جارلاند، 2014» الذي يدور في جو مستقبلي غرائبي حول مبرمج يخترع روبوتًا أنثويًّا «تلعب دوره أليثيا فيكاندر»، ويجري اختبارًا لاكتشاف إذا كان بإمكانها أن تتبادل الحب مع آدمي. وبالفعل ينجح الاختبار باستثناء أن الروبوت تمثل الحب حتى يمكنها أن تتخلص من مستعبديها من الرجال!

يعالج الفيلم الألماني «أنا رجلك» Ich bin Dein Mensch «ماريا شريدر، 2021» الفكرة ذاتها بطريقة «أكثر واقعية»، ومن وجهة نظر المرأة، حيث تقبل موظفة شابة استضافة روبوت صنع وفقًا لمتطلباتها من الرجال والحب، كنوع من الاختبار العلمي لإمكانية التعايش بين الإنسان والروبوت. ورغم أنها ترفض في البداية وتنفر منه، فإنها تبدأ في التعلق به تدريجيًّا، ويوحي الفيلم في مجمله بأن المستقبل يمكن أن يشهد بالفعل تعايُشًا «عاطفيًّا» بين الإنسان والآلة. إذا كنت تعتقد أن هذا «شغل سينما»، فانظر فقط إلى كم الخيال الأدبي والسينمائي الذي تحول إلى حقيقة خلال العقدين الأخيرين.

العلم ينسخ الفن كالعادة، وموضوع الحب بين الإنسان والآلة، هو محور عدد من الدراسات والوثائقيات التي صدرت حديثًا ومنها كتاب “العلاقات الحميمة بين البشر والروبوت” “تحرير أدريان ديفيد شيوك وإيما يان زانج- دار نشر “سبرنجر”- 2019″ الذي يحتوي على دراسات ومقالات عن إمكانية العلاقات بين الإنسان والماكينة، والوسائل التقنية التي يتم بها صناعة روبوتات ذات عواطف!

كذلك كانت محور الفيلم الوثائقي “حب الروبوتات” Robolove “إخراج ماريا أرلاموفسكي، 2019” الذي يرصد جهود علماء من اليابان وروسيا وأوروبا لصنع روبوتات “إنسانية” بقدر الإمكان. ورغم أن ما نشاهده في الفيلم هو مجرد محاولات بدائية جدًّا مقارنة بما نشاهده في الأفلام، لكن من يدري.. ربما يشهد أحد الأحياء على كوكبنا الآن أول روبوت يصعب تمييزه عن البشر.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى