سينما التنمية المستدامة
فهد السعير
تظل الأفلام الوسيلة الأكثر إقناعًا للمشاهدين، بفضل تأثير الصورة والصوت ولغة الجسد على مشاعر المتلقي، بالإضافة إلى الإطار الدرامي والتشويقي الذي تخلقه الأعمال الفنية؛ وهو ما يجعل بمقدور فيلم واحد تغيير الرأي العام تجاه قضية معينة، أو إقناع الجمهور بقضية أخرى. وبالتالي، فإنَّ الرهان على تأثير صناعة السينما مجتمعيًا هو الخيار الأكثر نجاحًا.
وفي سياق مواكبة التطورات المجتمعية و”رؤية المملكة 2030″، خاصةً ما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة، فإنَّ الاعتماد على الأفلام في نقل رسائل مؤثرة هي العامل الجوهري لدى المجتمعات، وهو ما وجدناه في أفلام ركزت على قضايا محددة كالتعليم، وأخرى تناولت ملفات المساواة بين الجنسين أو المياه والطاقة النظيفة.
تتشعب أهداف التنمية المستدامة لتفتح المجال أمام نوعية مختلفة من الأفكار التي يمكن نقلها عبر شاشة السينما، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا سيما ما يتعلق بالاقتصاد والصناعة والابتكار، وتشجيع المجتمع على الاهتمام بتلك الملفات.
مؤخرًا انشغل العالم بمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب28»، وشكّلت مناقشاته حالة جدل واسعة، بينما تظل قضية الحفاظ على المناخ ذات أبعاد تفوق التركيز المحدود على قضية الوقود الأحفوري، وهو ما يمكن لصناعة السينما أن تعرضه في سياق درامي مشوِّق.
يمكن القول إن هذه النوعية من الأفلام بمقدورها أن تصنع جيلاً جديدًا أكثر وعيًا بقضايا التنمية، بوعي وثقافة وذكاء اجتماعي ذي فهم واسع لتنفيذ الأهداف الموضوعة في هذا السياق؛ إذ تشكِّل الثقافة حاضرنا ومستقبلنا وهويتنا، وهي العامل المؤثر في خلق وعي جمعي تجاه التنمية المستدامة.
سينما صغار التنمية المستدامة هي دعوة جميع البلدان الفقيرة والغنية والمتوسطة الدخل للعمل على تعزيز الازدهار.
يبقى الرهان على كيفية صناعة أفلام ذات تأثير واسع المجال تتناول جانبًا من موضوعات التنمية المستدامة، بمنظورها الإيجابي وليس السلبي، ومن ثمّ تذكية الشعور العام حول تنفيذ المسؤولية المجتمعية تجاه تلك القضايا.
سيكون من المفيد تدشين لجنة معنيَّة بسينما التنمية المستدامة، بدءًا من اقتراح الموضوعات والتواصل مع القائمين على صناعة السينما والمساعدة في إنتاج الأفلام المرتبطة بهذه المجالات، وتوفير التسهيلات المطلوبة على المستوى الوطني، لتشجيع المنتجين على الاهتمام بهذه الأفلام.
تمتلك المملكة العربية السعودية فرصًا واعدًا تستوعب كافة الأنواع من الأفلام، بفضل الجمهور المتعطش لمشاهدة نوعيات مختلفة من الفنون، خاصة تلك التي تشكل الوعي العام، وهي الفرصة التي يمكن استغلالها تحت مظلة حكومية خاضعة لدراسة اتجاهات الجمهور، من أجل توظيف هذه المؤشرات في الأعمال المقترحة، مع الأخذ في الاعتبار أن صناعة السينما قطاع متجدد، وهو بحاجة إلى دعم وتدريب مستمر.