آراء

الكتابة للسينما هندسة الإبهار

ياسر مدخلي

نهتم بحضور الأفلام عندما نتطلع بلهفة إلى الجلوس أمام تجربة مبهرة، والإبهار شكل مرغوب وجاذب من أشكال الترفيه المؤثر، لذلك تفوقت السينما التي حلّقت في سماء الإبداع البصري ونجحت في تأثيث صورة عجيبة؛ لأنها استطاعت أن تحاكي الوجدان وأشعلت فتيل الخيال وحفّزت المشاهدين للتعامل مع طاقة الجمال التي تلهم الإنسان وتشبع حاجة المشاهد إلى الاستمتاع. ولسينما الإبهار نصيب أوفر – غالبًا – على حساب الأعمال الفاخرة التي أوغلت في تقديم الحوار العميق والانفعالات الجياشة والتجربة الإنسانية الغارقة في الحكمة والإرشاد.

عندما يجلس المتفرج «العادي» في صالة العرض، يتوقع أن يرى عالمًا يوازي تجربته الخاصة، ويحاكي الحياة، في مستوى مختلف زمانيًا أو مكانيًا، يبحث عن أبطال قصة يشبهون بعض الشيء من يعرفهم، وفي نفس الوقت لا يشبهون أحدًا؛ بطل مستحدث بشكل مبتكر وكائن جديد ممزوج بالإنسان وقواسمه المشتركة في هذا العالم.

هذا الفيلم الذي نشاهده ويعجبنا أو العكس، هو محاولة تبدأ على الورق، لذلك يعي الكاتب المحترف والناجح أنه يرسم المخطط الأول للصورة، فهي اللغة التي يعبر بها عن مغزاه، فمواصفات الأدب الجيد لا تنطبق على الكتابة السينمائية التي تستخدم المباشرة والدقة والوضوح للتعبير عن الصورة التي ستقدم المعنى بأسلوب غير مباشر في أفضل الأعمال.

الكتابة للسينما هي إجابة كبيرة عن سؤال صغير، كيف نصف الصورة؟ نتحدث عن مكوناتها، ونضعها في سياقات منسجمة لنجمع شتات الأخيلة في منظومة واحدة تكوّن لنا إطار القصة.

لقد قرأت العديد من السيناريوهات، وعملت بشكل مباشر في التحكيم والمعالجة والكتابة منفردًا وضمن ورش عمل مشتركة، كان الحوار متفوقًا ويعتقد الكثير من الكتاب بأن الصورة ترجمة للحوار، وهذا في نظري ليس عدلاً؛ لأن الصورة في السينما أساس، والحوار له وظيفة ترتبط بدفع الأحداث والتعريف بالشخصيات وتطورها ونواياها لتحكي الحكاية نفسها.

والصورة لغة، تتكلم في السينما بصوت عالٍ، لتقول كل شيء من خلال التقنيات العجيبة من ألوان وزوايا وانتقالات ومكونات المرجعية التي تفضي إلى دلالات أعمق يقرؤها المشاهد مجتمعة في إطار اللقطات المتتابعة. هذه المفردات هي المكون الأساسي الذي جعل من الصورة لغة تقدّم القصة وتمنح المشاهد فرصة لممارسة الحوار والتفكير، وتثير العاطفة، وتستدعي الضحك والخوف، وغيرها من مظاهر التفاعل المختلفة التي تكون في ذروتها «إبهار» بتجربة المشاهدة للفيلم.

كيف نصف الصورة؟ كان سؤال الكاتب لنفسه عندما بدأ على الورق، وبمجرد أن يتمكن من الإجابة عنه يأتي سؤال المُخرج: كيف نحكي هذه القصة؟ وتكاد تشي لنا هذه الأسئلة بأن المخرج حكّاء والكاتب واصف، وبذلك يستمر فعل الكتابة حتى يعرض على الشاشة، ومن ثَمَّ يكون السيناريو خارطة طريق ومخططًا قائمًا على بناء العمل السينمائي، ويصبح الإبهار عملية هندسية بامتياز.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى