إحراج سينمائي
محمد عبدالله الأنصاري
في الفضاء السينمائي الجميل حيث تُحقق الأحلام وتنبض القصص بالحياة، يوجد شبح كامن يمكن أن يلقي بظلاله الطويلة والمظلمة على أكثر المهن الفنية مساحةً وحلمًا؛ المخرجين وراء الشاشة والأعمال الفنية الخالدة.
المخرجون ليست لديهم حصانة ضد الإحراج الناتج عن إنتاجهم لفيلم سيئ، وعندما يتعثرون في وحل خيبات الأمل، يمكن أن تكون التداعيات عميقة. يطمح كل مخرج إلى عمل تحفة فنية تحفر اسمه في تاريخ السينما، ومع ذلك، فإن العملية الإبداعية مليئة بالمنحدرات.
على الرغم من بُعد التفكير لدى المخرجين والعمل الجاد لإخراج عمل سينمائي له مكانة فنية ونقدية، دائمًا ما يجدون أنفسهم في مسار مشروع لا يرقى إلى مستوى توقعاتهم، ولا توقعات جمهورهم ونقادهم.
يمكن أن يظهر الإحراج الذي يتبع فيلمًا سيئًا بطرق مختلفة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني، كذلك الخسائر العاطفية، إذ لا يستثمر صناع الأفلام وقتهم وطاقتهم فحسب، بل يستثمرون قلوبهم ومشاعرهم في أعمالهم الفنية، وعندما يتبين أن المشروع فاشل، يمكن أن يبدو الأمر وكأنه فشل شخصي.
إن العملية الإبداعية هي رحلة شخصية عميقة، وقد يؤدي الفشل النقدي أو التجاري إلى جعل المخرج يشكك في قدراته الفنية وقيمته الذاتية. كذلك يمكن للإحراج الناتج عن فيلم سيئ أن يكون له تأثير مضاعف على المكانة المهنية للمخرج، في صناعة تعتبر السمعة فيها أمرًا بالغ الأهمية، يمكن لخطأ واحد أن يشوه سمعة صانع الأفلام لسنوات قادمة.
قد يفكر المستثمرون والاستوديوهات مرتين قبل تكليف أحد المخرجين بميزانية كبيرة أو بمشروع رفيع المستوى، وقد يتردد الممثلون أيضًا في الاشتراك في فيلم أخرجه شخص له تاريخ من الفشل السينمائي، يمكن أن يكون الضرر الذي يلحق بسمعة المخرج طويل الأمد وبعيد المدى.
ومن الجدير بالذكر أيضًا الآثار المالية المترتبة على الفيلم السيئ، يمكن أن تصل ميزانيات الأفلام إلى الملايين، وعندما يفشل المشروع في استرداد تكاليفه في شباك التذاكر. وهذا الضرر لا يؤثر على المخرج فقط، بل يؤثر أيضًا على طاقم العمل والمستثمرين. الإحراج لا يقتصر فقط على الأمور المالية، بل على سوء تقدير المخرج وقلة حكمة المنتجين وعدم قياسهم للنتائج المتوقعة للفيلم التي أدت الى كارثة فنية بدلاً من تحفة.
ربما يكون التأثير الأكثر أهمية ودائمًا للفيلم السيئ هو تأثيره على الحياة الفنية للمخرج، بمجرد أن تلتصق وصمة العار بالفشل السينمائي، قد يكون من الصعب التخلص منها. يلوح ظل العار في الأفق، ويصبح من الصعب على المخرج تأمين التمويل، واستحالة العمل مع المنتجين والمصورين السينمائيين، وكذلك الممثلون المحترفون في المشاريع المستقبلية. الخوف من تكرار أخطاء الماضي، يخنق الإبداع.
ومع ذلك، ليس الأمر بهذه العتمة، نجح بعض المخرجين في التعافي من إحراج الفيلم السيئ والاستمرار في تحقيق نجاحات كبيرة، يتعلمون من أخطائهم، ويعيدون تقييم عملياتهم الإبداعية وشركائهم، ويظهرون كفنانين أقوى وأكثر مرونة. كان اقتباس ديفيد لينش لفيلم «Dune» مشروعًا طموحًا للغاية، وكان له وزن وتوقعات كبيرة في صناعة السينما في ذلك الوقت.
كان إنتاج الفيلم الذي بدأ في أوائل الثمانينيات مشروعًا ضخمًا بميزانية كبيرة، وطاقم عمل مترامي الأطراف. رغم ذلك، فإن التحديات والقيود التي واجهت تحويل رواية الخيال العلمي المعقدة لفرانك هربرت إلى عمل سينمائي، أثرت سلبًا في عملية لينش الإبداعية ومسيرته المهنية بشكل عام.
إن لفيلم «Dune» تأثيرًا عميقًا على مسيرة ديفيد لينش المهنية في أوائل الثمانينيات، في ذلك الوقت كان لينش معروفًا بقصصه الفريدة والسريالية، وتحقيقه لنجاحات وأعمال مثل «Eraserhead» و«The Elephant Man»، لم يكن أسلوبه المميز وإحساسه في السرد القصصي يبدو متطابقًا بشكل واضح مع عالم «Dune» المعقد، لكن سمعة لينش كمخرج صاحب رؤية جعلته اختيارًا مقنعًا للمشروع.
من المهم ملاحظة، أنه على الرغم من أن فيلم «Dune» كان يمثل نقطة فشل وإحراج في مسيرة لينش المهنية، فإنه لم يتوقف، واستمر في إنتاج سلسلة من التحف الفنية «Blue Velvet» و«Twin Peaks»، تُظهر قدرة لينش على التعافي من خيبة الأمل التي تعرض لها، وتفانيه للعملية الإبداعية وتصميمه كفنان.
إذا نظرنا إلى الماضي، فربَّما كان فيلم «Dune» فصلاً صعبًا في مسيرة ديفيد لينش المهنية، لكنه لم يعرقل رحلته الفنية، بل كان بمثابة تذكير بأن حتى المخرجين كـ«لينش» يمكن أن يواجهوا انتكاسات، وأن قدرتهم على التعلم من تلك التجارب ومواصلة متابعة رؤيتهم الإبداعية هي التي تحدد في النهاية، إرثهم في عالم السينما.
المصدر: سوليوود