في مديح الخداع الساخر
نرمين يُسر
يقول الكاتب المسرحي الساخر برنارد شو إنه «قبل أن تبدأ بالشيء عليك أن تفكر كيف تنهيه»، ولكن هذا لم يفعله أبطال الفيلم السعودي «الخلاط»، بل تمادوا في الكذبة حتى لم يستطع أحد منهم أن يغلق الأبواب المفتوحة في رحلة عبثية تمتد ليوم واحد.
«الخلاط» من إخراج فهد العماري، وإنتاج استوديوهات تلفاز 11، وهي نفس الشركة المنتجة للمسلسل الأصلي. يُكرم هذا الفيلم سلسلة حلقات «الخلاط» الرقمية الناجحة للغاية، والذي حقق أكثر من 1.5 مليار مشاهدة في 22 حلقة تم تشغيلها عبر منصات مختلفة بعقد اتفاقية إنتاج مع منصة نتفليكس بإنتاج فيلم يحمل اسم «الخلاط بلس» الذي يدور حول أربع قصص قصيرة تغلبها الكوميديا السوداء والسخرية المجتمعية. شركة تلفاز 11 شركة سعودية غزيرة الإنتاج، حققت نجاحًا كبيرًا مع أفلام «الروح الزرقاء» و«أغنية الغراب»، ذلك الفيلم الفائز بالجائزة الأولى في الدورة التاسعة لمهرجان الفيلم السعودي الذي يقام في الدمام.
من خلال التعاون في قصة جديدة مثيرة عن الخيانة والخداع، تجذب الكوميديا السوداء الجمهور بالتأكيد. في هذا العمل سنرى أن الممثلين الرئيسيين، هم: محمد الدوخي، وإبراهيم الخير الله، وعبدالعزيز الشهري، وإبراهيم الحجاج، وصهيب جودوس، وفهد البتيري، وزياد العمري، وإسماعيل الحسن.
يقدم «الخلاط+» أربع حكايات من المملكة العربية السعودية الحديثة، مع مجموعة من الشخصيات من مختلف الطبقات الاجتماعية، وكذلك من جوانب مختلفة من خط الأخلاق. تقدم القصة الأولى فيصل وصديقيه، الذين تم القبض عليهم متلبسين بسرقة إطارات سيارة تكاد العائلة تستقلها لحضور عرس ابنتهم، وبالتالي يجدون أنفسهم مقبوضًا عليهم من قبل عائلة مالك السيارة، واقتيادهم مكبلين إلى حفل الزفاف العائلي سويًا بالسيارة حتى وصول الشرطة إلى العرس.
الحكاية الثانية هي سارة، وهي طاهية في مطعم حديث من فئة 5 نجوم ومحاولتها إنقاذ زواج والديها الفاشل من خلال ترتيب عشاء سرًا لهما في المطعم الفاخر، حيث تتوالى المواقف الكوميدية من قبل الأب الذي لم يتعامل مع مستوى راقٍ كهذا من المطاعم. تقع سارة في ورطة لقيامها باستبدال حجز الطاولة لوالديها بحجز لشخصيات مهمة جدًا ينتظرهم مالك المطعم.
في القصة الثالثة، يحاول رجل يائس إخفاء سر أفضل صديق له بعد مقتل الأخير فجأة في حادث سيارة، فيخفي متعلقاته عن زوجة صديقه الذي يعلم أسراره، إذ تتفاقم الصراعات بين الزوجة والصديق لإثارته فضولها بمعرفة من المتصل على هاتف زوجها المتوفى للتو. وتعتبر القصة الثالثة خارج النطاق التناغمي الفكاهي بين قصص الفيلم الثلاث الأخرى، ربَّما لقتامتها واختيار مشرحة الموتى مكانًا للتصوير، أو ربَّما لتركيز قصة «زوجة فهد» على الخيانة المرفوضة من جميع نساء العالم، خاصة أنه الآن وقد مات ليصبح الاكتشاف أشد مرارة.
القصة الرابعة هي لعائلة مكونة من أربعة أفراد تصل إلى فندق فخم ومكلف، ومن المفترض أن الدعوة لشخصين، فيقوم الأب بتهريب ابنته الطفلة وابنه المراهق، ويتم إقامة رابطة غير متوقعة بين الأب الصارم وابنه بعد مرورهم بمواقف من الكذب والمواراة هربًا من مواجهة الأم في محاولة إخفاء مغامراتهم الليلية عنها.
ما يوحد هذه الحكايات الأربع هو خيط مشترك من الأكاذيب والخداع، إذ يشارك قدر لا بأس به من الخداع في كل منها. كل الأربعة يقدمون أيضًا عواقب لهذه الأكاذيب، على الرغم من أن هذه العواقب ليست دائمًا أفضل أو أعدل السيناريوهات التي يمكن تصورها. تقول الرسالة التي تومض بعد نهاية القصة الأولى «من لديه حيلة فليحتال». يبدو أن هذه ما أصبحت عليه الفكرة الرئيسية في الفيلم، إذ تحاول الشخصيات استخدام خدعة تلو الأخرى لتحقيق أهدافها والنفاذ بفعلتها في تراكمات كاذبة.
كتب السيناريو محمد الجراوي- مؤلف فيلم «أغنية الغراب» والوثائقي «الروح الزرقاء» – كسلسلة من المشاهد المتماسكة اللائقة بقصص قصيرة تؤدي الغرض من جعل المتفرج لا يكف عن الركض مع الممثلين في أثناء مطارداتهم. هؤلاء ذوات الأداء التمثيلي الرائع في ركضهم مع الآخرين يتنقلون بين مشاعر متناقضة، حتى يتنفس المتفرج مجددًا بعد نجاة المخادعين الظرفاء مؤقتًا لحين وقوعهم ثانية.
بالنسبة لأولئك الذين يهتمون بمشاهدة المحتوى العالمي، فإن فيلم «الخلاط» بالتأكيد تجربة مسلية وممتعة، يرجع ذلك إلى التألق العام لإنتاج نتفليكس السخي جنبًا إلى جنب مع أسلوب الكوميديا السوداء لفريق العمل السعودي، والمعروف بخفة الظل والميل إلى السخرية كالشعب السعودي كاملاً.
المصدر: سوليوود