سينما الـ”كومبارس”
عبدالله الزيد
منذ الستينيات وحتى وقت قريب ما زال الزعيم عادل إمام يكيل الشتم للساعة التي قَبِلَ فيها تأدية أحد الأدوار الثانوية «صبي علْمه» في فيلم عن حياة الراحل «سيد درويش»، والمصيبة أنَّه مع كل استعادة لذكرى الموسيقار الكبير يعاد عرض الفيلم وكأنَّه قضاء وقدر كتب على الزعيم أنْ يتقبله بالصبر والحوقلة!
أيضًا الممثل جاكي شان هو الآخر ما زال يتغنى بـ”العلقة” المرتبة التي تلقاها مطلع السبعينيات ضمن أحد أدواره الثانوية في فيلم “first of fury” من قبل نجم أفلام الحركة الشهير “بروسلي”؛ ليواصل بعد ذلك ممثل الأدوار اللامعة والخطرة الصيني جاكي شان، مشوارًا طويلاً في دروب النجومية والمال والشهرة.
وعلى ذات السيرة للأدوار الثانوية والكمبارسية، يروي لنا يوسف بك وهبة، قصة طرده لأحد “الكومبارسات” بعد أن تمادى الأخ بالبصبصة على فتنة وجمال نجمة فيلم “غرام وانتقام” “أسمهان” ليختفي هذا الكومبارس المسكين من بقية مشاهد الفيلم بلا أي متاعب إنتاجية. وعمومًا، تاريخ الصناعة يحفظ في أرشيفه الكثير من قصص الأدوار الثانوية والكمبارسية ليس هذا مقام بسطها.
بالمناسبة كلمة كومبارس أو الزوائد الـExtra، حسب مصطلحات بعض الصانعين، تعود للغة الإيطالية comparsa التي تعني مجرد الظهور. ولكن هذا الظهور يشكل اليوم أزمة للصنَّاع في السينما السعودية؛ نظرًا لأن السينما ليست أدوار بطولة وحسب. وأذكر أنني كنت أتجول في أحد لوكيشانات التصوير في عمل تاريخي سعودي؛ فأتفاجأ أن المنتج حل أزمة الكومبارس بـ”مجموعة زوائد” من إحدى الدول الآسيوية، و”ابتلش” بتعليمهم أساسيات كان بغنى عن إضاعة وقته فيها لو لقي مجاميع من أهل البلد؛ وكأنَّك تريد أن تشيِّد مصنع أخشاب على أرض بلا أخشاب!
وهنا عليَّ أن أقترح على المنتجين أن يصرفوا جزءًا من وقتهم ومالهم في تطوير الصناعة، بأن يؤسسوا شركات للخدمات الإنتاجية تحمل على كاهلها مثل هذه الوظائف الثانوية. وأعلم جيدًا أن هذه مهمة صعبة، خصوصًا أن العمل في السينما – بحسب الثقافة السائدة – لم يصل إلى درجة أن يكون عملاً يمكن أن يفتح البيوت كما يقال! وهذا موضوع آخر يحتاج إلى الطرح والبسط. المهم وما أريد التأكيد عليه مرة أخرى – خصوصًا لرجال الأعمال السعوديين – هو أنَّ الإنتاج الدرامي والسينمائي اليوم مصدر استثمار كبير، ولا سيَّما مجال الأدوار الثانوية والمجاميع الأدائية والراقصة.
أعلم أنَّ إحدى الإشكاليات في نقص الكوادر الأدائية والزوائد التي عليها الكلام؛ هي عدم تسويق بيئية العمل السينمائية وتقنينها بشكل يمكن أن تشجع من يبحث عن مصادر دخل ثانوية للالتحاق بها. فالمجتمع لم يعتد بعدُ هذا النوع من الوظائف وبالتالي نحتاج إلى وقت يمكن أن نرى فيه الطبيب، أو المهندس، أو المعلم، أو حتى العاطل المؤقت، كلهم يبحثون عن إعلانات لأداء أدوار ثانوية، أو الانضمام لمجاميع أدائية في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الضخمة. والتأسيس لمثل هذا العمل التنظيمي، هو دور مؤسسات القطاع الأول والثالث في الصناعة. وهذا موضوع آخر ستأتي فرصة الكتابة عنه لاحقًا.