تفاصيل الدورة التاسعة لمهرجان الأفلام السعودية
الترند العربي – متابعات
على مسرح سوق الإنتاج داخل القاعة الهائلة التى يضمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافى (إثراء) بالظهران، تابع ضيوف الدورة التاسعة لمهرجان الأفلام السعودية لقاءً معلوماتيًّا مع مجموعة من القائمين على المهرجان، أبرزهم أحمد الشايب، المدير الفنى، وذلك تحت عنوان قابض على الفضول ومحفز للبحث: «ماذا بعد 1000 فيلم سعودى؟».
لاشك أنه كانت للسؤال صيغة أخرى تلمع فى أذهان الضيوف: «هل هناك 1000 فيلم سعودى بالفعل؟»، هل أنتج صناع الأفلام السعوديون ما يقرب من 1000 فيلم منذ انطلاق أولى دورات المهرجان عام 2008، والتى جاءت كثمرة للتعاون بين الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام والنادى الأدبى بالدمام، والتى لقيت وقتها ترحيبًا واسعًا من صنّاع الأفلام السعوديين، وأتاحت لهم فرصة عرض أفلامهم، التى بلغت 44 فيلمًا تنافست على جوائز 3 مسابقات فقط آنذاك: مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، ومسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، ومسابقة السيناريو.
44 فيلمًا تقدمت للدورة الأولى، وعُرضت بالكامل دون تصفية أو استبعاد، وفازت بجوائزها مجموعة من الأسماء المهمة، التى سوف تتصدر المشهد السينمائى السعودى فيما بعد، وأبرزهم المخرج عبدالله العياف، الذى حاز فيلمه الوثائقى المهم السينما 500 كلم جائزة النخلة الذهبية، والسيناريست هناء العمير عن سيناريو فيلمها هدف، ليعود «العياف» ليتولى عام 2020 رئاسة هيئة الأفلام السعودية، وهى الجهة المنوط بها الإشراف على تأسيس ودعم وتمويل ما يمكن أن نطلق عليه صناعة السينما فى المملكة، بينما أصحبت «العمير» رئيس جمعية السينما، المنظم الأساسى للمهرجان فى دوراته الأخيرة، وصولًا إلى التاسعة.
وكنتيجة طبيعية لربكة المخاض بالنسبة لأى فترة تحولات فى بلد كبير، لم يتم تنظيم الدورة الثانية من المهرجان سوى عام 2015، ولولا التوقف لكان المهرجان يحتفل هذا العام بالدورة السادسة عشرة، ولما بدا سؤال الألف فيلم سعودى مطروحًا بهذا الشكل المحير!، وتدريجيًّا بدأت الملامح الأصيلة للتظاهرة تبرز وتتشكل عبر انتظام دورات المهرجان منذ ذلك التاريخ حتى العام الحالى.
معلومات وأرقام
– ظلت الجمعية السعودية للثقافة والفنون تستضيف فى مسرحها البالغ 450 مقعدًا دورات المهرجان عامى 2015 و2016 إلى أن جاء عام 2017 بتوقيع الشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز «إثراء»، وهو ما يمكن أن نعتبره الذراع الثقافية لعملاق النفط السعودى أرامكو، ويقع المركز فى مدينة الظهران، حيث المقر الرئيسى لـ«أرامكو» بالمنطقة الشرقية السعودية، ويتخذ من شكل أول بئر بترول تم استخراج النفط منها بالمملكة شعارًا له.
– انتقل المهرجان مع دخول مركز إثراء إلى مرحلة جديدة من النمو والحضور اللافت، وكانت المملكة تخطو نحو المرحلة الجديدة بشكل واضح، حيث تقدم للمهرجان فى دورته الرابعة 136 فيلمًا، عُرضت منها 59 فيلمًا بمشاركة 47 مخرجًا و12 مخرجة سعودية، وكان المهرجان منذ دورته الثانية قد أضاف ضمن مسابقاته مسابقة لأفلام الطلبة، وصار يحصد سنويًّا حصيلة ما زُرع، بالإضافة إلى تشكيل سوق الإنتاج التى سوف تصبح لاحقًا عنصرًا أساسيًّا من عناصر البيت المهرجانى بشكل متطور وبصورة تعكس حجم السعى وراء اللحاق بما فات من عمر المهرجان ما بين دورتيه الأولى والثانية.
ملامح الدورة التاسعة
يمكن القول إن مهرجان الأفلام السعودية خلال الدورات الأخيرة قد تحول إلى أهم مهرجان محلى/ قومى يُقام فى المنطقة العربية، متجاوزًا بذلك مهرجان طنجة الوطنى فى المغرب، والذى كان يُعد التظاهرة السينمائية المحلية الأبرز فى بداية العقد الماضى، ولسنوات عدة، قبل أن يتراجع نتيجة سوء الإدارة الثقافية على خلفية التخبط السياسى الذى شهده المغرب مع صعود الإخوان إلى الحكم، ومع توقف مهرجان الخليج السينمائى قبل سنوات وانتكاسة المهرجان القومى للسينما المصرية عقب النهضة المؤقتة التى شهدها على يد المخرج الراحل سمير سيف سواء بسبب وباء كورونا أو فشل السياسات الثقافية فى تطويره كنتيجة طبيعية لأولويات الدولة البعيدة عن الثقافة والفنون.
هذا العام تقدم لمهرجان الأفلام 152 فيلمًا، عُرض منها 78 فيلمًا فى مختلف أقسام المهرجان، وأُضيفت جائزة جديدة لأفضل فيلم خليجى قصير وطويل- حصل عليها المخرج الإماراتى نواف الجناحى عن فيلمه مكان فى الزمن والمخرجان العراقيان قتيبة الجنابى عن رجل الخشن وسعد الصباغ عن آخر السعاة، ووصل مجموع جوائز المهرجان إلى ما يزيد على المليون ريال التى تغطى الكثير من عناصر صناعة الفيلم (سيناريو وإخراج وصوت ومونتاج وإنتاج)، بالإضافة إلى وجود سوق إنتاج قوية تحتوى على أجنحة لعشرين جهة تمويل وخدمات ما قبل وبعد الإنتاج سواء للأفلام السعودية أو غير السعودية، وعلى رأسها بالطبع هيئة الأفلام السعودية ومهرجان البحر الأحمر، الذى صار واحدًا من الرعاة الأساسيين، إلى جانب منصات عرض مثل شاهد وmbc وشركات كبرى مثل «أرابيا بكتشرز وسينى ويف ورم بيكتشرز».
هذا العام تأهل 26 مشروعًا لجوائز السوق، التى تجاوزت المليون ونصف المليون ريال لدعم المشروعات فى المراحل الثلاث: التمويل والإنتاج وما بعد الإنتاج، كل هذا بجانب وجود معمل تطوير السيناريو، الذى انقسم هذا العام إلى معمل للفيلم القصير تحت إشراف المخرج العراقى كريم على وآخر للفيلم الطويل بإشراف المطورة الأردنية ديما عازر.
وحافظ مهرجان الأفلام على سياسته فى تدويل لجنة تحكيم المسابقات المختلفة، والتى شاركت فيها أسماء مثل الفرنسى دانيال زيسكايند والتونسية درة بوشوشة والمغربى حمادى جيروم والألمانية كارين تشايلى والعراقية مسيون الباجة جى، إلى جانب الأسماء السعودية البارزة من جيل الشباب: جومانة الزاهد ورضوى الفهد
وعبدالرحمن صندقجى وهشام فقيه، ويلاحظ بالطبع المساواة الجندرية بالنسبة للمشاركة السعودية فى لجان التحكيم، ويُعد تدويل لجان التحكيم للمهرجانات المحلية واحدًا من أكثر العناصر التى تضمن الحيادية والتنافسية العالية بالإضافة إلى كونها بجانب دعوة الصحافة الدولية والإقليمية فرصة براقة للتعريف بإنتاجات السينما المحلية سواء من أجل الدعم المعنوى للصُناع أو التسويق والتصدير لمحافل إقليمية ودولية.
أضف إلى كل هذا أن مهرجان الأفلام يُعد فى الوقت الراهن الجهة الكبرى على مستوى المنطقة العربية فى عدد الكتب السينمائية المنشورة سنويًّا ضمن فعاليات دوراته، والتى تُعد إضافة قوية ورائعة للمكتبة السينمائية العربية، صحيح أنه ليس مستغربًا على مهرجان يديره شاعر بحجم أحمد الملا أن يكون منصة نشر راقية وزخمة العناوين، ولكن بلا شك أن ثمة دعمًا حقيقيًّا يقدم لرؤية «الملا» فى الزيادة السنوية لعدد الكتب المنشورة- العام الماضى 12 كتابًا والعام الحالى 17 كتابًا- والعناوين والموضوعات وأسماء الكُتاب المشاركين- تأليفًا وترجمة وإعدادًا- وفى هذا العام تشارك مصر ضمن مجموعة الكتب المنشورة بكتابين للناقدين أمير العمرى عن المخرج الأمريكى وودى ألان وعصام زكريا عن تاريخ الفيلم السعودى.
وتبقى الإشارة إلى أن عدد دروس السينما هذا العام مع الخبراء المحليين والدوليين وصل إلى 7 دروس بجانب 6 ندوات موازية عن صناعة الأفلام فى المملكة، أبرزها لقاء مع القائمين على رسم وتنفيذ سياسات الجهة الأبرز، إلى جانب احتضان الدورة الثانية من جلسات ملتقى النقد السينمائى، الذى انطلق فى جدة قبل شهرين، ووصل إلى الظهران فى جولته الثانية بالتزامن مع مهرجان الأفلام، ومن المنتظر أن يمر بمحطات فى تبوك وأبها وحائل وصولًا إلى الرياض فى نوفمبر القادم.
ماذا بعد 1000 فيلم؟
تبدو الأرقام قوية- عدد الأفلام والكتب المنشورة وجهات التمويل وقيمة الجوائز- ولكن ماذا حقًّا بعد ألف فيلم سعودى تقدمت للمهرجان خلال عقد ونصف العقد تقريبًا؟!. الأفلام الفائزة هذا العام لجوائز النخلة الذهبية تؤطر حالة النمو الواضحة فى الكثير من مراحل تشكيل الفيلم تقنيًّا وإنتاجيًّا، فلدينا الفيلم الطويل (عبد)، من إخراج منصور أسد، والذى حصد جوائز أفضل فيلم وأفضل مونتاج وأفضل سيناريو، بجانب القصير والوثائقى الذى استحوذ على جوائزهما الإخوة سعيد (حسن وعلى ومجتبى)، وهم عائلة فنية سعودية تستحق التوقف أمامها بالدراسة، حيث حصل «حسن» و«على» على جوائز أفضل فيلم قصير (ترياق) كتابة وإخراجًا ولجنة التحكيم الخاصة عن الوثائقى الطويل (قصة ملك الصحافة)، بينما حصل أخوهما الثالث «مجتبى» على النخلة الذهبية لأفضل وثائقى (تحت سماء واحدة)، فى حين برز اسم المخرج الشاب حسين المطلق بفيلمه القصير دافئ العذوبة (زبرجد)، الحائز على جائزة لجنة التحكيم، وحصلت المخرجة الشابة سلمى مراد على جائزة عبدالله المحيسن للعمل الأول عن فيلمها النفسى القصير كبريت.
ولكن تظل الملاحظة الأبرز عما ينقص الأفلام السعودية، بعد أن قطعت هذا الشوط العنيف لإثبات الذات، هى الحاجة إلى تأصيل فن كتابة السيناريو بصورة أكثر قوة وعلمية، وبناء ذهنية درامية تحمى صناع الأفلام من هوس الشطحات التقنية أو كسل التقليد وأصداء الخبرات المسترجعة من تجارب الآخرين دون تمييز، إن أشد ما يؤخر نضج الحالة السينمائية فى المملكة هو هشاشة تأصيل الكتابة وغياب الإيمان بأن النقد هو طرف لا سبيل لتجاهله فى معادلة النمو والحراك، الكثير من التجارب التى عُرضت خلال الدورة التاسعة لا تنقصها الجودة التقنية ولا التصميم الإنتاجى الجاد، ولكنها تفتقد وبشدة لفهم واعٍ لفلسفة السيناريو وشعرية الكتابة بالصورة، ومع كل الجهد الذى يبذله القائمون على نشرة سعفة التى يصدرها المهرجان، إلا أن الحراك العام يتطلب جهدًا مؤسسيًّا وثقافيًّا أكبر من مجرد مطبوعة المهرجان بكل زخمها.